top of page

القبول المجتمعي للفساد



لا شك أن قضايا وقصص الفساد التي تصل إلى مسامعنا بشكل شبه يومي لم تعد مصدراً لأي إندهاش أو إستغراب، ربما لتكرارها او ربما لمعرفتنا المسبقة بمدي إنتشار الفساد. قد يعطي الكشف عن هذه القضايا انطباعا بتحسن أداء الأجهزة الرقابية، وهو انطباع قد يكون صحيحاً الي حد ما، ولكن الي أي حد تستطيع التشريعات وتغليظ العقوبات ورفع كفاءة الأجهزة الرقابية التصدي بكفاءة وفاعليه لهذا الفساد الضارب في كل اوصال الدوله مع التجاهل التام للتغير الذي طرأ على قيم المجتمع وحوله الي تربه خصبه لنمو الفساد؟


فمع انتشار الفساد بأشكاله المختلفة لوقت طويل يبدأ المجتمع في التأقلم معه ويصبح تدريجياً السلوك المنحرف مقبولاً من قطاع عريض في المجتمع، بل وقد لا يجد الكثيرون أي غضاضة في إتباع نفس النهج الفاسد.هنا تبدأ ما ُيطلق عليه "الحلقة الجهنمية للفساد "في التكوين، حيث تبدأ قيم المجتمع في التغير تدريحياً بفعل تلك العدوي التي تنتشر كالوباء، وتبدأ كل القيم الأخلاقية في التآكل علي حساب نمو القيم المادية، فتحول النظرة إلي الفساد من شيء كريه إلي شطاره و ذكاء. ثم تأتي المرحلة الأخيرة بعد القبول الاجتماعي للفساد، وهي مرحلة إدمان الفساد بحيث يصبح إسلوب حياه يصعب جداً التخلي عنه، بل ويصبح في أحيان كثيره الفاسد قدوة. وبمناظرة ما سبق على أرض الواقع نجد وقائع وأدله كثيرة تؤكد قبول قطاع غير صغير من المجتمع للفساد، ولعل أبرزها هذا التعاطف الكبير الذي نراه من الكثير مع من أدينوا في قضايا فساد ووصفهم بصفات حميدة وإيجابية تغفر فسادهم من وجهة نظر المدافعين عنهم، مثل الكرم والشهامة و "إنه بتاع ربنا “. ولعل ما رأيناه في تشييع جنازة أحد المتهمين في أحد قضايا الفساد الكبرى مؤخراً خير دليل علي ذلك، عندما تحولت الجنازه إلى تظاهرة تأبين لبطل قومي. كذلك يصعب أن نتناسى مشهد الكثير من أولياء أمور طلاب المدارس وهم يحرضون أبنائهم على الغش تارة بالميكروفونات وتارة بسماعات الأذن الصغيرة وتارة عن طريق شراء الامتحانات المسربة.


أما الدليل الآخر فهو وبلا شك حال النخب في مصر. وهم المجموعات الأكثر نفوذاً وقدرة على تشكيل اتجاهات الرأي العام، وهم الصفوة المؤثرة في كافة التخصصات والمجالات والتي ُيفترض أن تكون المثال الذي يحتذي به. فإذا تأملنا حال النخب في مصر نجد أن الكثير منهم قد أدين في قضايا فساد وكان مثالاً للسلوكيات المنحرفة بدلاً من ان يكون قدوه، وهي السلوكيات الكفيلة بأن تكتب شهادة الوفاة المعنوية لهم في مجتمعات أخري بسبب رفض هذه المجتمعات لمثل هذه السلوكيات و إحتقارهم و لفظهم لمن يقوم بها . لكن عندنا، تجد هؤلاء الأشخاص ملء السمع و البصر و في مقدمة الصفوف بكل ثقة و صفاقة. وهي الثقه التي يكتسبونها من كلمات الثناء والتقدير التي تأتيهم من هنا أو هناك والأضواء التي تتسلط عليهم لتضعهم في مصاف الأبطال القوميين. بل وفي أحيان كثيرة، بعد إدانة بعضهم وسجنهم لفتره طالت أو قصرت، يعودون ثانية لتصدر المشهد الإعلامي كأن شيئاً لم يكن.


إذن، فنحن واقعياً لم نعد حتى في مرحلة القبول المجتمعي للفساد والتأقلم معه، بل تجاوزناها إلى مرحلة إدمان الفساد واتخاذه أسلوب حياة. لذلك، يصعب جداً أن ينحصر علاج الفساد في زيادة كفاءة الأجهزة الرقابية دون العمل على إصلاح منظومة القيم التي تآكلت بفعل الفساد المستشري علي مدار السنين و دون لفظ و إقتلاع كل رموزه و التي مع الأسف لم تعد فقط رموزاً للفساد بقدر ما أصبحت رموزاً للمجتمع المصري نفسه في نظر الكثيرين.

Search By Tags
Who Am I?

Dr. Amr Kais is a participating faculty at the AUC, a designated lecturer of various institutions, a Certified Management Consultant & Coach, also the founder and MD of Ipsos Egypt which is now the largest research company in Egypt and Middle East.

Other Posts
More on the web
Follow Me
  • Facebook Basic Black
  • Twitter Basic Black
  • Black YouTube Icon
bottom of page