ثلث العمر!
- Amr Kais
- May 12, 2024
- 2 min read

يقضي الإنسان في المتوسط 90 ألف ساعة في محيط العمل خلال حياته، و هو ما يساوي ثلث عمره. لذا، فقد حظيت بيئة العمل بنصيب وافر من الدراسات للتعرف على تأثيرها في الصحة العامة و النفسية للإنسان. فعلى سبيل المثال، وفقاً لدراسة قامت بها منظمة الصحة العالمية عن حجم انتشار الأمراض النفسية في محيط العمل. فقد بلغت نسبة من لديهم أياً من أنواع الاضطراب النفسي والتي تتطلب العلاج 18% من قوة العمل في الولايات المتحدة الأمريكية، و20% في المملكة المتحدة و17% في أستراليا. كما تتسبب تلك الأمراض في غيابهم المتكرر وقلة إنتاجيتهم وإثارتهم للكثير من المشاكل في محيط العمل لذا، لم يكن مستغرباً أن تشير الدراسة أيضاً الى أن هؤلاء المرضى أكثر عرضة لفقد وظائفهم بمقدار 4 أضعاف عن الأصحاء نفسيا بسبب ما سبق. وذلك رغم أنهم في أغلب الأحيان ضحايا لبيئة عملهم السيئة و غير الصحية التي تتسبب في إصابتهم بتلك الأمراض. لذا، فقد قامت منظمة الصحة العالمية - استشعارا منها لخطورة بيئة العمل الفاسدة وعواقبها المدمرة- بإصدار وثيقة هامة عام 2005 باسم "سياسات وبرامج الصحة النفسية في بيئة العمل" لتلفت نظر مؤسسات الأعمال لأهمية وضع سياسات وبرامج داخلية وإجراءات للتقليل من حدوث تلك الضغوط النفسية التي تؤدي إلى الاصابة بتلك الأمراض. علاوة على كيفية اكتشافها إن وجدت وتشجيع المصابين بها على طلب المساعدة دون خجل وتوفير الرعاية والعلاج اللازم لهم. و في المقابل، وفق دراسة نشرتها مؤسسة ماكنزي شملت 30 دولة، فإن تحسين بيئة العمل و صحة العاملين يؤدي إلى خلق قيمة إقتصادية تتراوح بين 3.7 تريليون دولار إلى 11.7 تريليون دولار. وهو ما يعادل زيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة بين 4 و 12 في المائة.
و قد ألقت الدراسة المذكورة الضوء على بعض العوامل شديدة التأثير على صحة العاملين و التي ينبغي الإهتمام بها من قبل أصحاب الأعمال مثل: التفاعل الإجتماعي، و الشعور بالارتباط بـمحيط العمل، و توفير مناخ يشجع على المشاركة و الإبتكار في العمل، و هو العامل الذي يمتد أثره في نجاح أو فشل علاقات العامل خارج محيط العمل مثل الصداقة و الزواج و غيرها. كما أن ترسيخ العقليات والمعتقدات الإيجابية يعد عاملا محفزا بدرجة كبيرة للصحة العقلية و البدنية على حد سواء. علاوة على أن إدماج المشاركة في العمل التطوعي و الخدمة المجتمعية و التشجيع عليها في بيئة العمل عاملا هاما و مؤثرا على صحة العاملين. ثم نأتي إلى تخفيف التوتر و الضغط العصبي حيث أنهما يتسببان في الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والعديد من الاضطرابات العقلية الشائعة، و هو ما يتطلب العمل على تخفيفهما. أما الموظفون الذين يعانون من نقص في الأمان الإقتصادي و المالي فهم أكثر عرضة من غيرهم لضعف الصحة العقلية التي قد تؤثر على قدرتهم على العمل. و كذلك يكلف الموظفون الذين يعانون من قلة النوم و الأرق بسبب التواصل المستمر من خلال الإنترنت بالعمل بعد ساعات العمل و عدم توفير بيئة عمل تتمتع بوفرة من الضوء الطبيعي وإمكانية الوصول إلى الأطعمة الصحية في المتوسط 2280 دولارًا سنويًا أكثر من الموظفين الذين لا يعانون من الأرق، و ذلك بسبب التغيب عن العمل وضعف الأداء وزيادة الحوادث والإصابات.
و لعل كل ما سبق يحفز مؤسسات الأعمال في مصر أن تحذو حذو مؤسسات الأعمال العالمية في إعداد ما يسمى "بـبرامج مساعدة الموظفين" “Employee Assistance Programs (EAPs)” التي تتضمن إستراتيجيات الشركة لتحسين بيئة العمل و صحة موظفيها، و التي لم تعد رفاهية على الإطلاق بسبب كل ما سبق ذكره من آثار إيجابية لوجودها و عواقب وخيمة لغيابها.
Comments