معضلة المعلومات
- Amr Kais
- Mar 16
- 2 min read

على الرغم من أن ميثاق الامم المتحدة قد كفل حق الإنسان في حرية الوصول وتداول المعلومات منذ عام 1946الا أن الاهتمام بإصدار قانون لحماية حرية تداول المعلومات في مصر لم يبدأ إلا قبيل ثورة يناير 2011 بسنوات قليلة. وهو القانون الذي إذا ما أحسنت صياغته سيكون له أثرا إيجابيا كبيرا في تعزيز الشفافية والمسائلة ومحاربة الفساد وتعزيز حرية الصحافة والإعلام وتحفيز الابتكار والنمو الاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية. ومنذ ذلك الحين كان الحديث عنه يبرز تارة ويخفت تارة أخرى. لعل آخرها كان خلال المؤتمر السادس للصحافة المصرية في نقابة الصحفيين في أغسطس الماضي وقبلها كان عام 2023 في جلسات الحوار الوطني. كما أنه قد تم بالفعل إعداد عدة مسودات لهذا القانون من عدة جهات، منها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء ووزارة العدل والمجلس الأعلى لتنظيم الاعلام وغيرهم. وعلى الرغم من كل ذلك، فإنه لم ير النور حتى الآن. وبالاطلاع على تلك المسودات، نجد أنها لم تتناول موادا تنظم صناعة المعلومات لتضمن دقتها وجودتها قبل تداولها.
والمقصود هنا بصناعة المعلومات، هو الصناعة المعنية باستخلاص المعلومات من مصادرها الرئيسية والأولية “primary data “عن طريق الاستقصاءات والأبحاث الميدانية وتحليلها. فقد بلغ حجم صناعة المعلومات في العالم ما يزيد عن 150 مليار دولار، وهو ما يعكس اهميتها وحجم الطلب عليها. ولعل الأهم من حجمها هو الاعتماد الكلي عليها من قبل متخذي القرار في كل المجالات: الاقتصاد، السياسة، الثقافة، الاجتماع، الصناعة، الإعلام والإعلان. والمؤسف، أنه رغم أهميتها، تعاني صناعة المعلومات في مصر من الكثير من العشوائية والتقييد في نفس الوقت. وهو ما يجعلها في أمس الحاجة إلى التنظيم والرقابة والتشريع.
ففي مصر، لا يوجد أي قانون ينظم تلك الصناعة الهامة سوى ماده واحده في قانون الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والذي صدر في عام 1961، وهي التي تنص على ضرورة استخراج تصريح من الجهاز قبل إجراء أي بحث ميداني أياً كان الغرض منه، حتى ولو كان لمعرفه نكهات الأيس كريم المفضلة لدى المستهلك المصري. وفى المقابل يستطيع أي شخص أن يخرج علينا في الإعلام بنتائج بحث ميداني دون أي إثبات بأنه حتى قد قام به فعليا، وذلك إما حباً في الظهور أو دعماً لجهة أو شخص أو توجه ما. بل وتنتشر الآن مراكز الاتصال التي تقوم بالأبحاث التليفونية في كافة المجالات دون علم أو رقابة أي جهة. وتنتشر ايضا ما يطلق عليها "المراكز البحثية" التي لا يعرف ما إذا كانت شركات أم مؤسسات غير هادفة للربح وما هي مصادر تمويلها. بل، وتستطيع كل هذه الجهات عمل ما تريد من أبحاث واستقصاءات دون أي قيد أو شرط مهني يرتبط بوجود أشخاص مؤهلين ومعتمدين للقيام بهذه الأبحاث أو الالتزام بمنهجية علمية مدروسة أو حتى الالتزام بميثاق الشرف المهني واحترام حقوق المبحوثين والحفاظ على خصوصيتهم وسريه بياناتهم الشخصية في ظل غياب أي رقابة من أي مؤسسات مهنيه لهذه الصناعة وغياب أي إطار قانوني ينظمها.
وبناء على كل ما سبق، فهناك ضرورة قصوى لأن يتم تعديل اسم قانون "تداول المعلومات" و مسوداته ليصبح قانون "صناعة و تداول المعلومات" ضمانًا لتوافر المعلومات و دقتها وجودتها قبل تداولها، والأهم أن يرى هذا القانون النور. أما التحدي الأكبر، فهو أن يدرك متخذي القرار في مصر أهمية اعتمادهم على المعلومات والبيانات في اتخاذ قراراتهم.
Comments