top of page

الإلهام والواقع

  • عمرو قيس
  • Feb 27, 2018
  • 2 min read

يصعب جداً أن يأتي ذكر دولة جنوب أفريقيا لأي سبب كان دون أن يقفز الى الذهن "نلسون مانديلا" أو "ماديبا" وهي تعني أب الشعب، وهو الاسم الذي أطلقه عليه الشعب الجنوب أفريقي. كيف لا؟ وهو من أهدى العالم وليس وطنه فقط أقوى وأهم قصص الكفاح الوطني والتسامح إلهاماً في التاريخ الحديث.


فقد قاد مانديلا منذ نعومة أظافره الكفاح ضد أقسى أنظمة التمييز والفصل العنصري في العالم، وهو ما كلفه قضاء 27 سنة من عمره وراء القضبان في سجون جنوب أفريقيا، دون أن يقلل ذلك من عزيمته، أو يثنيه عن هدفه. ليخرج منتصراً مرفوع الرأس ليخوض أول انتخابات ديمقراطية في تاريخ جنوب أفريقيا والتي فاز فيها باكتساح ليصبح رئيس الجمهورية من العام 1994 حتى العام 1999. ثم يضرب مثلاً مرة أخرى ولكن في التسامح هذه المرة، حيث دعي الى طوي صفحة الماضي وما فيها من جرائم ارتكبت في حقه وحق السود من الأقلية البيضاء ونسيانها، ليتمكن الوطن من كتابة فصل جديد من تاريخه أساسه التسامح وسيادة القانون.


ولكن ماذا حدث بعد تلك الزعامة الفذة والقصة الملهمة؟ للأسف لم تقو "ويني مانديلا" - التي كانت زوجة "ماديبا" لأكثر من 38 عاماً وساندته في كفاحه وفي كل سنوات سجنه الطويلة على مقاومة اغراءات السلطة ونفوذها وتورطت في الكثير من قضايا الفساد، وانفصلت عن "ماديبا" وصدرت ضدها عدة أحكام بالسجن. وكذلك "جاكوب زوما" رفيق كفاح "ماديبا" الذي كان رئيس الجمهورية حتى الأسبوع الماضي؛ حيث تم عزله بسبب تورطه هو الآخر في كثير من قضايا الفساد واستغلال النفوذ.


الآن وبعد أقل من عشرين عاماً من ترك "مانديلا" رئاسة الجمهورية وبعد كل سنوات الكفاح والتضحيات التي قام بها، أصبح وطنه غارقاً حتى أذنيه في الفساد، واقتصادياً بلغ الدين العام أعلى مستوياته وبلغت نسبة البطالة أكثر من 30%؛ حيث يعاني أكثر من 17 مليون شاب من البطالة في ظل النظام الحالي، بينما لا يتذكرون لصغر سنهم أي معاناة أثناء النظام العنصري الأسبق.


كما تقل نسبة النمو في الدخل السنوي عن 1%، علاوة على مشكلة المياه: حيث ُيتوقع أن تنقطع كافة مصادر المياه عن مدينة "كيب تاون" أجمل وأكبر مدن جنوب أفريقيا مع حلول شهر مايو القادم بسبب سوء الإدارة.


وبالطبع، فجنوب أفريقيا لا تمثل استثناء من حيث قصصها الملهمة مع نتائج واقعها المؤلمة فكثير من دول العالم صدرت الالهام في وقت ما ولم تصله بالواقع لتبقي في المسافة الشاسعة بين الحلم وتحقيقه.


وفي المقابل، عندما نستعرض نتائج أحدث دراسة عن الدول التي توفر أفضل حياة لمواطنيها والتي تجريها جامعة "وارتون" المرموقة، نجد في المقدمة سويسرا، تليها كندا ثم السويد وفنلندا والدانمارك والنرويج. فقد نجحت تلك الدول في توفير أفضل مستوى للمعيشة في العالم لمواطنيها من كافة الأوجه رغم أننا لم نسمع أنها صدرت يوماً زعامات أو قصص ملهمة. بل لا نكاد حتى نعلم اسم حكام تلك الدول. فكيف حققت ذلك دون أي ضجيج؟ وهل يوجد تعارض بين الإلهام وتحقيق النتائج على أرض الواقع؟ وإذا كان هناك تعارض فأيهما نفضل؟

Comments


Search By Tags
Who Am I?

Dr. Amr Kais is a participating faculty at the AUC, a designated lecturer of various institutions, a Certified Management Consultant & Coach, also the founder and MD of Ipsos Egypt which is now the largest research company in Egypt and Middle East.

Other Posts
More on the web
Follow Me
  • Facebook Basic Black
  • Twitter Basic Black
  • Black YouTube Icon

© 2016 Amr Kais

bottom of page