تفقهوا قبل أن َتسودوا
- عمرو قيس
- Dec 1, 2015
- 2 min read
هي حكمة وقول مأثور لسيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه، لم نع معناها جيداً فأصابنا ما أصابنا من تدهور وإنحدار فى الكثير من المجالات.
فهى تشدد على أهمية التعمق فى علم ومعرفة أى مجال قبل الاضطلاع بالعمل فيه، بغية التحقق أنك مؤهلاً له قبل أن تتصدر مشهده، و هو المعيار شبه الغائب في واقعنا اليومي الصادم في شتي التخصصات.
فقد تأقلمت مسامعنا على الكثير من الألقاب التى تسبق أسماء الكثير من الزوار الدائمين على شاشات التليفزيون بغرض التصدى للكثير من المواضيع الهامة فى مختلف مناحى الحياة بالتحليل والإفتاء بموجب هذه الألقاب. فلدينا الخبير الإستراتيجى فى كل مجال حسب طلب معد البرنامج وموضوع الحلقة،والذى لا ندرى ماهية الجهة أو الخلفية العلمية التى تمنح هذا اللقب. ولدينا بالطبع لقب الفقيه، وهى درجة لا ندرى إن كانت أعلى أم أقل من الخبير الإستراتيجى وماهية صلاحياتها ومدى إختلافها أو تشابها مع لقب الخبير الإستراتيجى ؟
أما الدكتور، فكم الأشخاص الغير حاصلين حتى على درجة الماجستير يلقبون بالدكتور لزوم الوجاهة في الإعلام فحدث ولا حرج. والطريف أن من بينهم بعض الوزراء والمحافظين.
و نتيجة لما سبق، يصبح هؤلاء محل ثقة المواطن الذي َيتَّبِع آرائهم وفتاواهم بحسن نية دون أدنى تحقق من خلفيتهم العلمية والمهنية والثقافية أو حتى الأخلاقية.
وتمتد هذه الظاهرة الخطيرة لتشمل الكثير من المجالات والمهن، فلدينا خبراء صحة نفسية يمارسون عمل الأطباء النفسين بلا مؤهل واضح وخبراء تغذية بمؤهل الثانوية العامة ومهندسين ديكور خريجى لكلية الآداب أو حتى ربات بيوت سابقات وخبراء تسويق خريجى تربية رياضية. فتجد فى كل المهن الكثير من الخبراء كما نقول بالعامية " واخدينها بالدراع".
أما عن العمل الفنى، فمثلاً على الرغم من الحرائق اليومية التى تخلف خسائر بشرية وإقتصادية فادحة والتى تحدث بسبب الماس الكهربائى الناتج من قلة خبرة وتدريب فنيو الكهرباء وإهمالهم، فإننا لا نعرف بالظبط مؤهل من يعمل فى هذه المهنة والجهة المنوط بها منح ترخيص مزاولتها وعلى أى أساس لوقف نزيف تلك الخسائر؟ ويسرى هذا التساؤل على كافة المهن الأخرى لضمان حصول صاحب أي مهنة علي المؤهل المناسب والتدريب الكاف لمزاولتها بكفاءة، لتجنيب المجتمع مخاطر مزاولاتها من غير المؤهلين.
يأتى السؤال السابق فى ظل إنصراف النقابات عن الهدف الأساسى من وجودها، وهو العمل على الإرتقاء بمستوى المهن المختلفة ومزاوليها وعمل مايلزم فى هذا الشأن من تدريب و تثقيف ورقابة على ممارسيها، إلي التركيز على توفير المصايف والسلع المعمرة لأعضائها وما الى ذلك من منافع لا تمت بصلة الى المهنة نفسها. بل والمحزن أن معيار نجاح أو فشل رؤساء النقابات وأعضاء مجالس إدارتها أصبح يقاس بقدرتهم على توفير تلك المنافع بدلاً من رفع المستوى العلمي والمهني لأعضائها والرقابة على أداؤهم بالشكل الذى يحافظ على تقاليد وأخلاقيات المهنة للإرتقاء بسمعتها وسمعة المنتمين إليها.
يجب أن ننتبه لعواقب تحول العشوائية من مناطق بعينها إلي أسلوب حياة.
Comments