التحول من بلع الزلط إلى تمنى الغلط
- عمرو قيس
- May 3, 2016
- 2 min read
تعد أمثلتنا الشعبية تعبير عبقري مختصر يعكس خلاصة خبراتنا و ثقافتنا و مشاعرنا و معتقداتنا أيضاً. و من هذا المنطلق، فإن المثل الشعبى "حبيبك يبلع لك الزلط و عدوك يتمنى لك الغلط" يوجز نصفه الأول تأثير الحب في جعل الشخص يتحمل و يتقبل تصرفات الآخر باستيعابه علي كثرة أخطاءه، فيما يرينا نصفه الثاني حالة تصيد الأخطاء والتربص لدرجة تمني وقوع الشخص بالخطأ من تأثير مشاعر العداء.
و بتأمل المشهد الذى نعيشه اليوم فى ضوء ما سبق،لا يمكن أن نغفل تلك الحالة غير المسبوقة من التحفز التي تخيم على كافة مناحي حياتنا. فعلى مستوى الإعلام ، تحولت القنوات و البرامج من منابر للتنوير إلى منصات للتشهير بسبب أو بدون، ولم يسلم أي من الشخصيات العامة من ذلك أى كان مجال عمله. و الأخطر ، أن البرامج الأكثر تشهيراً أصبحت الأعلى مشاهدة ، مما يعنى توافقها مع المزاج العام السائد. بل أصبح الكثير من الإعلاميين يستغلون برامجهم للتشهير ببعضهم البعض.
و على المستوى العام ، تجاوز الحكم على الأشخاص من تصرفاتهم إلى الحكم على نياتهم التى لا يعلمها إلا الله و كأننا عدنا لعهود "محاكم التفتيش" التي أعطت لنفسها سلطة محاكمة الناس علي ما في ضمائرهم. فأصبح مألوفاً أن ُتطلق الاتهامات جزافاً، تارة بالتخوين وتارة بازدراء الأديان بل و أصبح أي شخص عرضة لأن ُترفع ضده دعاوى قضائية لمجرد كتابة تغريده على شبكة التواصل الاجتماعي.
أما على مستوى الأعمال ، فأصبحت طاقة ووقت رجال الأعمال ُتستنزف بقدر كبير في التعامل مع النزاعات و الخلافات بدلاً من توجيهها لتنمية مؤسساتهم و أعمالهم. و أصبحت روح الإبداع و الابتكار ُتوظف في كيفية اختلاق المشاكل بدلاً من العمل على تجنبها. وباتت كل المهن التي تعتمد على التعامل اليومى مع الأشخاص شديدة الصعوبة لدرجة نفور الكثيرين من العمل فيها مثل إدارة الموارد البشرية لكثرة المشاكل اليومية بين المديرين و مرؤوسيهم و الموظفين بعضهم البعض. نفس الشيء ينطبق علي إدارة خدمة العملاء التى يشكو العاملين فيها من حالة التحفز الشديد التى أصبح عملائهم عليها فى مختلف المجالات بسبب و بدون سبب.
حتى الشارع، لم يسلم من المشاحنات بين الأفراد بسبب المرور أو لأتفه الأسباب.و تحولت الأمثلة الشعبية التي تحض على الصبر التى كان يكتبها سائقى النقل و الميكروباص على مركباتهم إلى أمثله من عينة"مافيش صاحب يتصاحب".
لقد كان من أمتع ما قرأت للمفكر الدكتور جلال أمين كتاب " ماذا حدث للمصريين" و الذى تناول فيه التحولات التى حدثت للمصريين و للمجتمع المصرى على مدار خمسون عاماًمن عام 1945 إلى عام 1995، و محاولة تحليل أسباب هذه التحولات من وجهة نظره.
ولعلى أدعى أن التحولات التى شهدناها فى الخمس سنوات التالية لعام 2011،لا تقل أهمية عن التحولات التى حدثت على مدار الخمسون عاماً التى تناولها المفكر فى كتابه. لذا، أقترح عليه و على غيره من المفكرين و الباحثين دراسة تلك الفترة الزمنية و تحولاتها الهامة و أسبابها و طرق علاج سلبياتها.
و الأهم معرفة لماذا حل العداء الذى يجعلنا نتمنى الغلط لبعضنا البعض محل الحب الذى يجعلنا نبلع الزلط بكل سعادة لمن نحب ؟ وإن كنت أعتقد أن هناك من سبقهم إلى الحل بمئات السنين بمقولته المأثوره "أعقل الناس أعذرهم للناس" رضى الله عن سيدنا على بن أبى طالب.
Comments