الرصاصة.... والُقبلة
- عمرو قيس
- Aug 1, 2017
- 2 min read
عشية التصويت على خروج إنجلترا من منطقة اليورو (البريكسيت) في شهر يونية 2016 كان يغلب على بروكسل العاصمة السياسية للاتحاد الأوروبي الأداء الباهت في تطوير أهم مشاريعها مثل العملة الموحدة وحرية الحركة في منطقة الشنجن والسوق الموحدة والبيروقراطية، وحتى مشكلة اللا
جئين ومساعدة دول الجنوب الأوروبي في كبوتها الاقتصادية. وفي صبيحة اليوم التالي، عندما ُأعلنت نتيجة الاستفتاء بخروج إنجلتر من منطقة اليورو، ظن أغلب المراقبون بأن تلك هي رصاصة الرحمة التي تؤكد وفاة منطقة اليورو وانفراط عقدها، وبأن العديد من دول اليورو ستحذو حذو إنجلترا وستخرج الواحدة تلو الأخرى.
وبعكس الجميع، ارتأت سيدة ألمانيا القوية أنجيلا ميركيل أن تلك فرصة لإعادة الحياة لمنطقة اليورو من جديد وإعادة الوحدة والُلحمة إليها عن طريق العمل الجاد والمثابرة لمصلحة شعبها وشعوب منطقة اليورو. فقد توسمت أنه طالما تصدر إنجلترا لمنطقة اليورو 44% من صادراتها بينما تعتمد منطقة اليورو على إنجلترا في استهلاك 9.5% من صادرتها، فإن الكفة ستميل لمصلحة منطقة اليورو. أضف إلى ذلك العديد من البنوك وآلاف الوظائف التي قررت الرحيل من إنجلترا إلى العواصم الأخرى لدول الاتحاد الأوروبي.
وهو ما أدى الى هبوط الأداء الاقتصادي لإنجلترا وانخفاض غير مسبوق في قيمة عملتها، وبالتالي تفتحت بصيرة شعوب منطقة اليورو بما فيها إنجلترا نفسها على العواقب الوخيمة الناتجة عن ذلك الخروج. وبالفعل، جاءت نتائج الانتخابات في هولندا وفرنسا في مصلحة مؤيدي البقاء في منطقة اليورو. وحتى في إنجلترا، عندما دعت "تيريزا ماي" رئيسة وزراء إنجلترا للانتخابات في يونيو الماضي ظناً منها بأنها سوف تحصل على أغلبية مطلقة تساندها في مفاوضات الخروج من اليورو، كانت النتيجة فقدانها الأغلبية في البرلمان. بالتوازي، نجحت انجيلا ميركيل في ابرام اتفاقية تجارة حرة تاريخية بين منطقة اليورو واليابان وكسبت حليفاً مهماً يساعد على وقوف منطقة اليورو على قدميها مرة أخرى وهو الرئيس الفرنسي "ماكرون" وخطته لإصلاح قوانين العمل والضرائب في فرنسا، بما يصب في مصلحة منطقة اليورو.
الآن ورغم كل هذه المصاعب، فإن النمو المتوقع لمنطقة اليورو هذا العام يقدر بـ 1.9% وهو تقريباً نفس معدل النمو المتوقع للولايات المتحدة. وبالطبع لا يعني هذا أن رحلة إحياء منطقة اليورو لن تخل من المصاعب، فإعادة هيكلة الاقتصاد الفرنسي مع وجود قطاع عام يسهم في تحقيق نصف الدخل القومي لها لن تكون مهمة سهلة. كما ينبغي التعامل مع الأزمة الاقتصادية الإيطالية التي تبلغ ديونها 133% من ناتجها القومي الإجمالي. وهناك المواطن الألماني الذي يشعر أنه مطالب دوما بسداد فاتورة عدم كفاءة الأداء الاقتصادي لبعض الدول الأوروبية الأخرى.
لكن على قدر أهل العزم تأتي العزائم، وطالما استطاعت ميركيل تحويل رصاصة الرحمة إلى ُقبلة للحياة، فستستطيع بمساعدة حلفائها الأوروبيين التغلب على كل هذه الصعاب.
كم من المواقف التي نتعرض لها ونظن أنها رصاصة الرحمة، نستطيع أن نحولها الى قبلة للحياة بالإخلاص والعمل والتفاؤل والإيمان.
Comments