top of page

صيانة الصيانة



ُنشر منذ أيام في وسائل الإعلام المختلفة خبراً عن حمله قامت بها هيئة الرقابة الإدارية على المدن الجامعية بالقاهرة والمحافظات بهدف التأكد من صيانتها بشكل يليق باستقبال الطلاب بمناسبة بدء العام الدراسي الجديد. وقد أسفرت هذه الحملة (حسبما ورد في الخبر) عن سوء حالة وعدم صيانة أغلب هذه المدن الجامعية وذلك قبل أيام معدودة من بدء العام الدراسي. ثم خبر آخر عن إغلاق جزئي لكوبري أكتوبر في الفترة من 14/9 إلى 13/10 لإجراء أعمال الإصلاح والصيانة. وهو توقيت العودة للمدارس والجامعات والازدحام المروري الشديد المصاحب لذلك. وفي نفس الشأن نشر الكاتب الكبير محمد سلماوي مقالاً عن استغاثة وصراخ سكان حي المعادي بسبب غلق كبري طره والذي دخل على قرابة العام ولأجل غير مسمى والذي يعد المنفذ الرئيسي للسكان وما استتبعه ذلك من الشلل المروري التام على مدار الساعة والذي سيتفاقم أكثر بالطبع مع دخول المدارس والجامعات. أضف الى ذلك أخبار الانقطاع المفاجئ للمياه والذي يستمر لساعات طويله وكذلك انقطاع التيار الكهربائي، بل والحرائق الناتجة عن الماس الكهربائي والتي أصبحنا نعتبرها قضاءً وقدراً.


كل ما سبق يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك غياب مفهوم ومنطق علم الصيانة، بل والخلط بينه وبين الإصلاح. فالصيانة التي تهدف الى الحفاظ على قيمة الأصل وعلى الأموال المستثمرة وتجنب الأعطال يؤدي غيابها في أحوال كثيرة الى فقدان هذا الأصل بالكامل، وهو ما نشهده فعليا على نطاق واسع. بحيث يقتصر الأمر على محاولة الإصلاح بعد تعطل هذا الأصل أو المرفق بالكامل وبعد أن يفقد الكثير من قيمته أو حتى يحتاج أن يستبدل باستثمارات جديدة.


ولا تقتصر تبعات ما سبق على معاناة وعذاب المواطنين اليومية بسبب غياب الصيانة العلمية والمحترفة للمرافق العامة، ولكن يمتد ذلك ليشمل خسائر اقتصادية فادحة. فنحن نعلم حجم الانفاق غير المسبوق بالمليارات على البنية الأساسية حالياً سواء في مجال الطرق او النقل او المطارات الجديدة، ومحطات الكهرباء والطاقة، وحتى العاصمة الإدارية الجديدة. وبالطبع مع غياب الصيانة العلمية وتطبيقها بدقة وصرامة ومحاسبة المقصرين ستصبح تلك الأصول والمرافق والمليارات التي سيتم انفاقها مهددة بالفقد والزوال.


ويبدو أن غياب منطق ومفهوم الصيانة لا يقتصر فقط على المرافق العامة بل يمتد ايضاً ليشمل المواطن وصحته سواء البدنية أو النفسية. حيث أصبحت مقولة "الوقاية خير من العلاج" غير حاضرة على الإطلاق. فنجد مثلاً العشرات من الحملات للتبرع للعلاج من أمراض كثيرة مثل الكبد الوبائي والسكر والسرطان وغيرها، ولكن في المقابل لا نجد حملات للتوعية بأساليب الوقاية من هذه الأمراض وتجنب الإصابة بها. بل وعلى المستوى الشخصي، لا يكترث الكثيرين بعمل الفحص الدوري على أنفسهم للاطمئنان أو الكشف المبكر عن أي امراض وعلاجها قبل أن تستفحل.


وعن الصحة النفسية والاستجمام اللازم لها. نعود من عطلاتنا ورغم كثرتها بحاجة الى الاستشفاء من تأثير الصخب الشديد والسهر والضوضاء التي أصبحت من السمات الأساسية للأسلوب المفضل لقضاء العطلات لدينا.


إن مفهوم الصيانة يحتاج الى صيانة عاجلة.

Search By Tags
Who Am I?

Dr. Amr Kais is a participating faculty at the AUC, a designated lecturer of various institutions, a Certified Management Consultant & Coach, also the founder and MD of Ipsos Egypt which is now the largest research company in Egypt and Middle East.

Other Posts
More on the web
Follow Me
  • Facebook Basic Black
  • Twitter Basic Black
  • Black YouTube Icon
bottom of page