top of page

من شب على شيء!




كتب "نيوتن" الأسبوع الماضي مقالاً بجريدة "المصري اليوم" بعنوان "المناخ الحاضن" حول أهمية توفير المناخ الملائم لاكتشاف وتنمية وصقل المواهب في مختلف المجالات. وتساءل الكاتب عما إذا كانت هناك على سبيل المثال مواهب في الغناء مثل أم كلثوم تعيش بيننا ضمن المائة مليون مصري ولكن لم تظهر بسبب عدم توفير البيئة المناسبة لاكتشافها ورعايتها.


ولعلى أدعى بأن هذا الموضوع شديد الأهمية ويستحق الكثير من الاهتمام لكونه العامل الرئيسي في اكتشاف وإعداد الكثير من النوابغ والمواهب في كل المجالات مثل الفن والمحاماة والطب وغيرها، وهو ما يتوقف عليه ازدهار مستقبل أي وطن. ولعلى أدعى أيضاً أن سؤاله عن المواهب المماثلة لأم كلثوم التي قد تكون بيننا دون أن ندرى يعد سؤلاً مشروعاً جداً في ضوء ما شهدناه من نبوغ الكثير من المصريين في شتى المجالات بعد سفرهم إلى الخارج مثل مجدي يعقوب في الطب وزويل في العلوم ونعمت شفيق في الاقتصاد ومحمد صلاح حديث الساعة في كرة القدم، وغيرهم في مجالات شتي. وقد تصادف أن قرأت هذا المقال بعد يوم واحد من حضوري حفلاً للفنان الرائع "أندريا بوتشللي" "Andrea Bocelli" وهو الذي يعد مثالاً حياً للدور المفقود عندنا للبيئة الحاضنة.


حيث يحرص هذا الفنان - والذي تنفذ تذاكر حفلاته قبل شهور طويله من تاريخ إقامتها - أن يقدم معه في كل جولة من جولاته الكثير من المواهب الشابة الجديدة التي يكرس الوقت لاكتشافها وتدريبها مع فريق عمله. فقد شاركه في الحفل المذكور، مطربة شابة ومغنية سوبرانو واعدة، وعازف وعازفة صولو للجيتار وعازف فلوت وراقص وراقصة باليه كلهم من الشباب الموهوب الصاعد، بالإضافة إلى الأوركسترا الخاص به. والاحتضان في هذه الحالة لا يقتصر على مجرد إعطاء هذه المواهب الفرصة في الظهور في حفلاته وتحقيق الانتشار الكبير لهم ودفعهم معنوياً بل أيضا بتدريبهم طويلاً وصقل موهبتهم وإخضاعهم للكثير من البروفات حتى يرتقوا بمستوى موهبتهم بالقدر الذي يسمح لهم بالمشاركة معه في حفل بهذا المستوى. والأهم أنهم في خلال مرورهم بتلك المراحل يتعلمون ويكتسبون منه الكثير، ليس فقط في النواحي الفنية والمهنية الخاصة بهذا المجال، ولكن أيضاً الصفات والأخلاقيات التي يجب أن يتحلى بها نجم بهذا المستوى وأولها رعاية ودعم المواهب الجديدة فتستمر تلك البيئة الحاضنة في أداء دورها جيلاً بعد جيل. وكيف لا وهو من أنشأ مؤسسة " أندريا بوتشللي" الخيرية التي يستقطع جزء ملموس من إيرادات حفلاته لتمويل أنشطتها الخيرية في مجال اكتشاف ودعم مواهب فاقدي البصر في إفريقيا إلى جانب أنشطة أخرى.


وبعكس المثال السابق، نجد أن "النخبة" المسلط عليها الأضواء في مجتمعاتنا والتي ُيفترض أن تكون قدوة للشباب في مختلف المهن والتخصصات تفتقر للكثير من الأخلاقيات والمهنية ليس فقط مقارنةً بنظرائهم في مجتمعات أخرى، ولكن حتى مقارنة بالأجيال التي سبقتهم في مجتمعنا نفسه. وهو ما يزيد الأمر سوئا فيما يتعلق بمفهوم البيئة الصحية الحاضنة اللازمة لاكتشاف ونمو المواهب لدينا. بل ويثير التساؤل حول معايير اختيار من يتم تسليط الضوء عليهم باعتبارهم قدوة وهل هم فعلاً أفضل من فينا في كل المجالات أم أن معادلة الاختيارات قد اختلفت واختلت؟ وبالتالي ستختل معها توجهات الشباب ونظرته للمستقبل ولمتطلبات النجاح وسبله حيث سيظن الشباب أن ما نشهده ممن يطلق عليهم الصفوة هو ما يجب أن يكونوا عليه في المستقبل بل ومن متطلبات نجاحهم ونبوغهم. وكما نعلم فمن شب على شيء شاب عليه.


Search By Tags
Who Am I?

Dr. Amr Kais is a participating faculty at the AUC, a designated lecturer of various institutions, a Certified Management Consultant & Coach, also the founder and MD of Ipsos Egypt which is now the largest research company in Egypt and Middle East.

Other Posts
More on the web
Follow Me
  • Facebook Basic Black
  • Twitter Basic Black
  • Black YouTube Icon
bottom of page