9 ديسمبر
- Amr Kais
- Nov 30, 2024
- 2 min read

يأتي اليوم العالمي للفساد في التاسع من ديسمبر من كل عام ليذكرنا بتكلفته الفادحة التي نتكبدها والتي تقدر بـ2,6 تريليون دولار سنوياً. أي ما يعادل 5% من الناتج المحلي لدول العالم مجتمعة، و ذلك وفق بيانات البنك الدولي. يندرج ضمن هذا المبلغ الضخم 1 تريليون دولار رشاوي يدفعها أكثر من ربع سكان العالم في العام الواحد. وتقدر قيمة الفاقد في البلدان النامية بسبب الفساد 1,26 تريليون دولار، وهو ما يعادل 10 أضعاف إجمالي مبالغ المساعدة الإنمائية المقدمة لها. وبالطبع، تحتل تلك البلدان النامية مثل الصومال وفنزويلا وسوريا وجنوب السودان واليمن قاع قائمة الدول الأقل فساداً وفق مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية. فيما تتبوأ الدنمارك وفنلندا ونيوزلندا والسويد قمة القائمة كأكثر الدول نجاحاً في مقاومة الفساد. وتحتل مصر المركز 108 ضمن 180 دوله يشملها.
ولا تقتصر تكلفة الفساد على الخسائر المادية فقط، بل تمتد مع الأسف لتشمل فقد الكثير من الأرواح كنتيجة مباشرة للفساد. وهو ما حذرت منه ديليا فيريرا روبيو، من منظمة الشفافية العالمية، عندما قالت «لا يمكن قياس تكلفة الفساد المؤسسي بالأرقام، لكنه يؤثر على مستقبل الدول»، مشيرة إلى أن تكلفة الفساد «تصل إلى أرواح البشر ومستقبلهم». ولعل أسطع مثال على صحة عبارتها هو الفساد في القطاع الصحي الذي يؤدي إلى إهدار 500 مليار دولار سنوياً من الإنفاق الطبي على الأدوية والمستلزمات الطبية ليمنع وصولها إلى من هم أكثر احتياجاً اليها. وهو ما يؤدي إلى فقد الكثير من الأرواح. وقد كان وباء الكورونا كاشفا للحجم الكبير لهذا النوع من الفساد. وهو ما جعل البعض يرى في ذلك فرصة فريدة كي تستعيد الكثير من المؤسسات والأنظمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الثقة المفقودة فيها عن طريق اتباع اساليب على درجة أعلى من الحوكمة والشفافية بعيداً عن المصالح الضيقة لذوي النفوذ وأصحاب المصالح. و هو ما ُيطلق عليه “The great reset”. أي إعادة نظر شاملة في كل ما هو سائد من سياسات وقوانين وممارسات ثبت عدم جدواها لعصر ما بعد الكورونا. وفي هذا السياق، يمكن على سبيل المثال أن ُتسن قوانين تعاقب أي مسئول حكومي ليس فقط حال ثبوت تقاضيه رشوة، بل أيضا إذا ثبت صحة اتهامه لأي مواطن بارتكاب أي مخالفات يثبت عدم صحتها فيما بعد، مثل التهرب الضريبي وتقدير ضرائب مبالغ فيها أو فرض أي غرامات أو رسوم بغير وجه حق، أو حتى إذا ثبت تعمده تعطيل مصالح المواطنين بلا مبرر. لأن ذلك يدفع قطاع كبير من المواطنين لدفع الرشاوي لمجرد درء الأذى من هذا الموظف وليس للحصول على منافع ليست من حقهم.
أما التكنولوجيا، فقد أصبح لها دوراً محورياً في مكافحة الفساد. فمثلاً، عندما بدأت انجلترا في تقديم الخدمات الحكومية رقمياً عام 2011 استطاعت توفير 3,56 مليار جنيه استرليني بين عامي 2012 و2015 كان يلتهمها الفساد. فقد أدى تقديم الخدمات رقمياً إلى إلغاء البيروقراطية و الورقيات، بالإضافة إلى الفصل بين مانح الخدمة و متلقيها، وهو ما يقلل من فرص عرقلة مصالح المواطنين من ِقبل بعض موظفي الحكومة أملاً في الحصول على رشاوي.
كما يلعب توظيف تقنية "البلوك تشين" “Blockchain” دوراً هاماً في تأكيد هويات المواطنين وربطها بأنشطتهم والقدرة على تتبع العمليات التي يقومون بها وكشف غير المشروع منها مثل: غسيل الأموال أو الرشوة. وهو ما تساعد عليه أيضًا تكنلوجيا الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى قدرتها على تتبع وكشف الكثير من محاولات التهرب الضريبي.
ولعل أهم ما يمكن استنتاجه مما سبق أنه مازال أمامنا الكثير لتتحول مكافحة الفساد لدينا من مجرد شعار يدعو للتعاطف إلى مشروع اقتصادي واجتماعي وأخلاقي ذو عائد مجز.
Comentários