استهلاك أم استثمار؟!

نشرت منصة "الشرق- بلومبرج" الإخبارية خبرا حول اعتزام الحكومة المصرية طرح رخص إنشاء وتشغيل شبكات اتصالات الجيل الخامس (5G) في ديسمبر المقبل في حدود ال500 مليون دولار للرخصة الواحدة. كان الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في مصر منح عام 2016 رخصة إنشاء وتشغيل شبكات الجيل الرابع للهواتف المحمولة في مصر مقابل 484 مليون دولار إلى "أورنج"، و335 مليون دولار لـ"ڤودافون مصر"، و 535.5 مليون دولار لـ"اتصالات مصر"، ومقابل 1.1 مليار دولار لـ"المصرية للاتصالات"، واختلفت قيمة حقوق الامتياز من شركة إلى أخرى حينها بحسب طبيعة كل رخصة وحجم الترددات التي حصلت عليها كل شركة و ذلك وفق ما ورد في الخبر. قد يبدوا الخبر السابق خبرا عاديا حول تحديث شبكة الاتصالات في مصر، لكنه ليس كذلك. فهو يحمل في طياته فرصا اقتصادية و استثمارية غير مسبوقة إذا ما انتهزنا هذه الفرصة في التحول لأول مره من مجتمع مستهلك للتكنولوجيا إلى منتج لها، أو حتى على الأقل موظفا لها بشكل يحقق أعلى عائد اقتصادي على الأموال المستثمرة فيها. ذلك لأن التحول من 4Gإلى 5G لا يعد تطويرا أو تحديثا بقدر ما يعد انقلابا سنشهده في كافة أوجه حياتنا.

فمن الناحية التقنية، يكفي أن نعلم أن سرعة ال 4G في نقل البيانات تبلغ 1 جيجابيت في الثانية، بينما تبلغ سرعة ال 5G 10 جيجابيت في الثانية، أي عشرة أضعاف سرعة ال 4G.أما من الناحية الاقتصادية، فحسب الدراسات التي قامت بها مؤسسة “Qualcomm” للأبحاث، فيتوقع أن يسهم ال 5G في دخل قدره 12.3 تريليون دولار حتى عام 2035، وكذلك خلق أكثر من 22 مليون فرصة عمل. فمن المتوقع أن تسهم تلك التكنولوجيا في سرعة نمو الاقتصاد الرقمي بكافة تطبيقاته. فمثلا في مجال النقل، ستحدث طفرة في استخدام السيارات ذاتية القيادة لتمكنها من التواصل السريع مع السيارات الأخرى ومع إشارات المرور وتبادل المعلومات عن سرعتها وحالة الطرق والحالة المرورية. و بالطبع ينطبق ذلك أيضا على الطائرات بدون طيار. أما في المجال الطبي فيتوقع أن تحدث طفرة في سرعة و دقة التكنولوجيا المستخدمة في التشخيص، و التوسع في "الجراحة الآلية"؛ حيث سيتمكن الطبيب الجراح في أمريكا مثلاً من إجراء عملية لمريض في جنوب إفريقيا عن طريق استخدام معدات طبية موصلة عن طريق ال5G. كما يتوقع أن تحدث طفرة في مجال التصنيع من حيث رفع الكفاءة ومستوى الجودة و خفض التكلفة لأن ال5G سيسمح باستخدام التكنولوجيات الجديدة مثل ال”robotics” و ال”machine learning” و “3D printing” على نطاق واسع في كافة الصناعات. و قد بدأنا نشهد بشائر تلك التكنولوجيا حتى في حياتنا الخاصة متمثلة في الثلاجة المنزلية المزودة بخاصية ال 5G التي تقوم بطلب اللبن وأي صنف آخر من السوبر ماركت عند نفاذة. و تلك النظارات الطبية التي تمكننا من مشاهدة الخرائط وأفلام الفيديو عليها بدلا من مشاهدتها على شاشة الكمبيوتر أو الهاتف المحمول.

و لكي لا تقتصر استفادتنا من تلك التكنولوجيا على الاستهلاك لأغراض الترفيه و مشاهدة الأفلام و الألعاب و ما شابه، أتصور أن الاستعداد لتلك التكنولوجيا لا يجب أن يقتصر فقط على بيع رخص التشغيل لشركات الاتصالات، بل يجب أن يشمل في المقام الأول حملة للتعريف بالتطبيقات المختلفة المفيدة لتلك التكنولوجيا في مختلف القطاعات الاقتصادية لكي يتحول إنفاقنا الاستهلاكي في التكنولوجيا إلى استثمار ذو عائد مجز.