الحب الرقمي !!
- Amr Kais
- Feb 25, 2024
- 2 min read

يبدو أن التطور التكنولوجي يأبى أن يترك أي جانب من جوانب حياتنا إلا و يقلبه رأسا على عقب حتي الحب و العلاقات العاطفية. فوفق دراسة شهيرة قامت بها جامعة "ستانفورد"، وجد ان 40% من العلاقات العاطفية تنشأ من خلال استخدام منصات و تطبيقات التعارف الرقمية . أي أن علاقتين من بين كل خمس علاقات جديدة تنشأ من خلال استخدام هذه المنصات و التطبيقات. و قد اصبحت بذلك تحتل المرتبة الأولى بفارق كبير بين اساليب التعارف الأخرى مثل الأصدقاء و الأهل وزملاء العمل و الجامعة و غيرها من سبل التعارف. و قد يبدوا ذلك منطقيا إذا ما علمنا أن عدد مستخدمي تلك المنصات والتطبيقات قد بلغ 366 مليون مستخدم عام 2022 و من المتوقع أن يصل إلى 440 مليون بحلول عام 2027 . و لا نستطيع بالطبع أن نغفل الأثر الاقتصادي لهذا الأمر؛ حيث أنه ليس تعارفا مجانيا. فقد بلغت ايرادات تلك التطبيقات و الحلول التكنولوجية الرقمية 8,5 مليار دولار في عام 2023. و بنسبة النمو التي تحققها حاليا و التي تبلغ 6,7% سنويا يتوقع ان تصل ايراداتها إلى 12,9 مليار دولار سنة 2032 .
و لا يقتصر دور تلك التطبيقات و المنصات الرقمية على المساعدة في التعارف فقط، بل بدأ استخدام الذكاء الاصطناعي في بعض تلك المنصات مثل “e Harmony” و “Tinder” في تحليل محتوى المحادثات (الدردشة) بين الأحباء المرتقبين لقياس درجة التوافق بينهما، و بناء عليه إما اقتراح عمل اللقاء الأول أو اجهاض العلاقة في مهدها. و قد امتد استخدام الذكاء الاصطناعي إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير. فقد استخدم مؤخرا في دراسة نشرتها "الأكاديمية الوطنية للعلوم بأمريكا" أجريت بهدف التعرف على أهم عوامل نجاح أو فشل العلاقات العاطفية و التعرف على العلاقة بين توافر هذه العوامل و درجة الرضا من هذه العلاقات، و ذلك للأثر الكبير لدرجة الرضا عن العلاقة على الصحة البدنية و النفسية و النجاح في العمل وجودة رعاية الابناء. فلسنوات طوال كان الاعتقاد السائد هو ان توافق الشخصيات يعد العامل الأهم في نجاح العلاقات العاطفية و هو ما اعتمدت عليه منصات التعارف الرقمية. لكن اسفرت هذه الدراسة عن أن اختيار خصائص الشخص ليس اهم من خصائص و مواصفات العلاقة التي تبنى معه. فنجاح تلك العلاقات يعتمد أكثر على طبيعة العلاقة و خصائصها وكيفية بنائها أكثر من اعتمادها على نوعية الاشخاص و شخصياتهم و توافق ميولهم. وبعبارة أدق، فقد وجد بأن خصائص العلاقة تسهم بنسبة 45 % في نجاحها، مقابل اسهام توافق الخصائص الشخصية بنسبة 19% فقط في نجاح العلاقة. و قد تربع على رأس خصائص العلاقة المطلوب توافرها لنجاحها بناء العلاقة على الالتزام و الاطمئنان، ثم التقدير المتبادل، ثم عوامل أخرى انصح بقراءتها من الدراسة المتاحة على صفحة الأكاديمية لضيق المساحة.
ترى هل يصلح الذكاء الاصطناعي ما يفسده الغباء العاطفي في أحيان كثيرة حين يدفعنا دفعا إلى الشخص أو العلاقة الخطأ؟ و إذا نجح في ذلك، فهل ستخفق قلوبنا مع من يختاره لنا؟ أم سيصبح اختيار الشريك المناسب مثل اختيار الحذاء المناسب؟ مريح و مقبول شكلا و كفى. و ختاما، هل كان يتخيل امير الشعراء "أحمد شوقي" حين قال " نظرة، فابتسامة، فسلام، فكلام، فموعد، فلقاء" أن يأتي اليوم الذي ُتختزل فيه كل تلك المراحل المشوقة للحب في نقرة على الهاتف المحمول؟ لا عزاء لأمير الشعراء و لنا .. و ربما للحب الذي عرفناه يوما ما أيضًا!
תגובות