الصافرة والفساد
- Amr Kais
- Sep 28, 2024
- 2 min read

لعلنا نتذكر ذلك المشهد التقليدي في افلامنا القديمة لعسكري الدرك الذي كان يطلق صافرته كلما رأى لصا لينبه الناس لوجود هذا اللص ولكي يتعاون معه المارة في الإمساك به. أما الآن و مع التكلفة السنوية الباهظة للفساد و التي قدرت بـ2,6 تريليون دولار سنويا وفق بيانات البنك الدولي فلم تعد صافرة هذا العسكري المسكين كافية على الإطلاق. بل بات لزاما أن يكون كل منا متحفزا بـصافرته ليطلقها كلما نما إلى علمه أي واقعة فساد، سواء داخل المؤسسة التي يعمل فيها أو خارجها. و من هذا المنطلق تسابقت الكثير من الدول في سن القوانين و التشريعات التي تعرف باسم “whistle blower protection” بهدف توفير الحماية لمطلقي الصافرة المبلغين عن مخالفات ووقائع فساد و تشجيعهم على ذلك. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أصدر الاتحاد الأوروبي أواخر عام 2019 قانونا ُأطلق عليه "حماية مطلقي الصافرة" يلزم أي شركه تعمل في نطاق الاتحاد الأوروبي ويزيد عدد العاملين بها على 50 موظفا باتخاذ كافة الإجراءات للتوافق مع هذا القانون الذي طبق بدءً من عام 2021. يقضي هذا القانون بـتوفير داخل كل شركة أو مؤسسة عامة أو خاصة جميع الطرق التي تُمكن موظف حالي أو سابق أو متقدم للوظيفة أو متدرب من تقديم شكوى لكشف أي ممارسات فساد أو مخالفات. ويكون من حق العامل أن يحدد جهة تقديم الشكوى سواء للشركة أو للسلطات الرسمية. وفي حالة اليأس من الوصول إلى نتيجة، فمن حقه اللجوء إلى الإعلام، على أن توفر له السلطات الرسمية وأنظمة الشركة الحماية من الانتقام، والرد على شكواه خلال سبعة أيام. كما أقرت قمة مجموعة العشرين في بيانها الصادر عام 2019 أن حماية "مطلقي الصافرات" هي أولوية للمجموعة، وجزء أساسي من التأكيد على مبادئ الحوكمة ومكافحة الفساد. بل وأصبح العالم يحتفل كل عام في 23 يونيو باليوم العالمي لحماية حقوق مطلقي الصافرات.
تهدف مثل هذه القوانين إلى نشر ثقافة عدم السلبية في ظل انتشار ثقافة معاكسة لها؛ حيث ينظر المجتمع في كثير من الأحيان إلى من يُطلق صافرة الإنذار على أنه شخص خائن لشركته لأنه كشف أسرارها. وهو ما ُيشعر الموظف بالحرج والتردد إذا وجد نفسه في احدى هذه المواقف الصعبة، خاصة مع عدم وجود قوانين تحمي من يُطلق صافرة الإنذار. لذا، فإن ما يحدث في الغالب هو أنه يتستر على المُخالفات والتجاوزات لأخلاقيات العمل بدلاً من كشفها ليتحول إلى شيطان أخرس. وفي المقابل، تهدف تلك القوانين إلى الموازنة بين تشجيع الموظف على كشف فساد مؤسسته إن وجد من جهة، وبين عدم توفير الحماية لأصحاب البلاغات الكيدية من المغرضين وأصحاب الخصومات من الباحثين عن الانتقام أو الشهرة والمال من جهة أخرى. أما عن أهمية وجود تلك الآلية، فيكفي أن نعلم بأن أغلب وقائع الفساد العالمية الكبرى التي عايشناها قد تم كشفها بواسطتها بدءً من "واتر جيت" و "انرون" مرورا "بـفايزر" و “BP” وانتهاء "بـأوبـر" و " تسلا" والعديد والعديد من الحالات التي قدرت فاتورة الفساد فيها بمليارات المليارات.
لا شك أن وجود مثل هذه التشريعات في مصر وتفعيلها سيكون من شأنه الإسهام بشكل كبير في كشف الفساد ومحاربته. كما سيسهم في تحسن كبير لمركز مصر ال108 ضمن ال180 دولة التي يشملها مؤشر الفساد العالمي. بينما تشهد سنغافورة التي تحتل المرتبة الخامسة في ذات المؤشر حاليا حدثا قلب الدنيا و لم يقعدها، و هو انعقاد أول محاكمة منذ خمسون عاما لمسئول حكومي بتهمة تلقي هدايا!!
Σχόλια