الهدف والسبيل
- Amr Kais
- Jun 2, 2024
- 2 min read

أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة و الإحصاء في عام 2022 أن إجمالي المساحة المأهولة بالسكان في مصر قد بلغت 6,8% من إجمالي مساحتها. بينما أكد رئيس معهد التخطيط القومي في نفس العام أن إجمالي المساحة المأهولة بالسكان قد بلغت 13% من إجمالي مساحة مصر. و بغض النظر عن صحة أي من الرقمين، فإن التوسع في الرقعة العمرانية لم يكن أبدا محل خلاف كضرورة ملحة، شريطة أن يتلافى التخطيط لهذا التوسع ما شاب التوسعات السابقة من عشوائيه شديدة، و ألا يصاحب هذا التوسع إهمالا للمجتمعات العمرانية القديمة، بل يعمل على تطويرها و الارتقاء بها. و من هذا المنطلق، كانت فكرة بناء العاصمة الإدارية الجديدة وانتقال الكثير من المصالح الحكومية والمقار الإدارية للشركات وغيرها من عناصر الجذب اليها ليسهم في تخفيف الكثافة السكانية عن القاهرة و تقليل عدد الوافدين إليها كل يوم من المحافظات الأخرى، بما يؤدى الى رفع مستوى جودة الحياة فيها مع انخفاض نسبة التلوث والضوضاء و العشوائية و الازدحام المروري. علاوة على إرتفاع مستوى جودة المرافق العامة والخدمات فيها بسبب تقليل العبء الثقيل الواقع عليها اليوم، لتصبح العاصمة السياحية و الثقافية لمصر. لكن على الرغم من وضوح و مشروعية الهدف السابق ذكره إلا إننا لم نلمس على أرض الواقع في أحياء القاهره القديمة ما يشير بأننا نسير نحو تحقيق هذا الهدف. فعلى سبيل المثال، تمت إزالة الكثير من العشوائيات في منطقة ماسبيرو و هو امر محمود، لكن بدلا من إحلالها بحدائق و مساحات خضراء أو حتى مشروعات سياحية، تم احلالها بأبراج سكنيه عملاقة لتزيد الكثافة السكانية لتلك المنطقة بدلا من خلخلتها. و لا تزال الكثير من النوادي النقابية والفئوية جاثمة على نهر النيل و هو الأمر الذي لا يمكن أن نجده على نهر السين أو الراين أو الدانوب على سبيل المثال. و كذلك المقاهي و أكشاك الطعام التي انتشرت بشكل عشوائي في كل أحياء القاهرة القديمة. أما كبرى المشكلات فهي التشابك والالتحام بين كل ما هو سكنى وتجارى وصناعي ففي كل حي وشارع تقريباً عقارات بها شقق سكنية ومحال تجارية ومطاعم وورش، بل ومصانع أيضاً، وخصوصاً ما يطلق عليه مصانع بير السلم بحيث تتشارك كل هذه الأنشطة في شغل عقار واحد في كثير من الأحيان أو عقارات متلاصقة في ذات الشارع. وهو الوضع الذي لا يخفى على أحد ويعد نتاج سنوات طويلة من الفساد والعشوائية في إدارة المحليات.
فقد نتج عن هذا الاشتباك ما يعانيه سكان هذه العقارات من تهديد لحياتهم وممتلكاتهم بسبب وجود تلك المصانع والورش أسفل بيوتهم وتخزين الكثير من المواد الخطرة والقابلة للاشتعال في ظل غياب تام للحد الأدنى من متطلبات الأمان والسلامة. وقد نجم عن ذلك العديد من الحرائق والكوارث التي راح ضحيتها الكثير من الأرواح والخسائر المادية الفادحة. أضف إلى ذلك التلوث بكافة أنواعه والزحام الشديد الناتج عن استغلال جراجات العقارات السكنية في أغراض أخرى وتسابق العاملين في تلك الشركات الصناعية والتجارية مع سكان العقارات على إيجاد أماكن لانتظار سياراتهم وهو ما حول حياة هؤلاء السكان الى مأساة يومية.
ولعل فض هذا الإشتباك ليس بالأمر شديد الصعوبة. فهو يتطلب منح كل نشاط غير سكني متواجد في المناطق السكنية مهلة لا تزيد عن سنتين للإنتقال لمناطق يتم تخصيصها لتلك الأنشطه خارج المناطق السكنية ليتم بعدها فسخ عقودها و قطع المرافق العامة عنها بقوة القانون. و لعل تحقيق هدف جعل القاهرة العاصمة الثقافية والسياحية من الممكن تحقيقه إذا ما إتسق مع نوايا و سبل تحقيقه.
Comments