صناعة المستقبل
- Amr Kais
- May 26, 2024
- 2 min read

تناولنا الأسبوع الماضي أوجه التشابه في الظروف بين مصر و فيتنام و أوجه الاختلاف بينهما في النهج. و هو ما جعل صادرات فيتنام الصناعية تصل إلى 384 مليار دولار عام 2022. و هو نفس العام الذي كانت صادرات مصر فيه 53,9 مليار دولار، منها 20,4 مليار دولار صادرات بترولية و معدنية. لكن على الرغم مما حققته فيتنام من إنجاز إلا أن القائمين على الاقتصاد فيها أدركوا بفكرهم الاستباقي و نظرتهم المستقبلية أن الوقت قد حان لتعديل الدفة لمواجهة أربعة تحديات متوقعة و مصيرية يتوقف عليها مستقبل نموهم الاقتصادي. لعل أولها و أهمها اعتمادهم على ميزة رخص الأيدي العاملة في الترويج لأنفسهم و استقطاب الاستثمارات في الصناعات الكثيفة و هي الميزة التي ستبدأ في التآكل مستقبلا بسبب ضعف إنتاجية العامل لديهم مقارنة ببعض الدول المنافسة و التي يزيد من ضعفها الكثير من العطلات الرسمية والارتفاع في الأجور المواكب للنمو الاقتصادي الذي شهدته فيتنام. و هي الأسباب التي يمكن ان تدفع المستثمرين مستقبلا إما إلى البحث عن وجهه أخرى أو إحلال تلك العمالة بتكنولوجيا عالية الإنتاجية في بلاد أخرى تتوافر فيها العمالة المدربة على التعامل مع تلك التكنولوجيا بدلا من عمالتها المتواضعة المهارات. أما ثاني التحديات فهو ضعف شبكات الإمداد لديها. بمعنى أنها تعتمد على وارداتها في تصنيع ما تقوم بتصديره. و هو ما يؤدي بالتبعية إلى ضعف القيمة المضافة لتلك الصادرات لقلة نسبة المكون المحلي فيها. و بالطبع، فندرة العمالة القادرة على استيعاب التكنولوجيا الحديثة في الصناعة و تجيد التحدث بلغات أجنبيه يشكل ثالث التحديات. أما رابع التحديات فهو الحاجه لتحسين تنافسيه بيئة الأعمال لديهم التي يشوبها الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي عن المصانع و كثرة الإجراءات العقيمة و المرهقة اللازم لاستخراج تصاريح العمل و الإقامة للخبراء الاجانب.
و بالطبع، لم يقتصر الفكر الاستباقي السابق ذكره على تحديد تلك التحديات المستقبلية الأربعة بل شمل خطه تفصيلية بدأ تنفيذها بالفعل للتغلب على تلك التحديات و تهدف إلى تحويل فيتنام من وجهة للعمالة منخفضة التكلفة إلى وجهة للعمالة المرتفعة الإنتاجية و المهارة، و ذلك برفع انتاجية العمالة لديها سنويا بنسبة 7.5% ليؤدي ذلك إلى رفع نسبة الدخل المحلي السنوي إلى 8.5%. كما تستهدف الوصول بالصناعات التكنولوجية إلى نسبة 45% من إجمالي التصنيع لديها.
و قد شملت الخطة إجراءات محددة لرفع إنتاجية العاملين عن طريق توفير 40 إلى 70% من وقتهم بتدريبهم على استخدام وسائل الإنتاج التكنولوجية الحديثة و كذلك رفع مهاراتهم بوجه عام، و كذلك سد الفجوة بين المهارات المطلوبة في سوق العمل و ما تخرجه المؤسسات التعليمية و ترشيد العطلات. كما شملت خطوات تفصيلية لا تتسع المساحة لذكرها لاحتضان و تنمية الصناعات المغذية لرفع القيمة المضافة لقطاع الصناعة لديها.
و ختاما، فالخطة المذكورة توضح دور كل من الحكومة و مؤسسات الأعمال و المؤسسات التعليمية في تنفيذها، إعمالا لمبدأ "الكل شريك و الكل مسئول و الكل منتفع أيضا". و الأهم أنها تؤكد لنا بما لا يدع مجالا للشك بأن المستقبل يصنع و لا يخلق من العدم، و بأن تلك الصناعة هي الصناعة الأولى بالرعاية لدينا لكي لا نتساءل دائما "لماذا تشابهت الظروف و مع ذلك اختلفت النتائج".
Comments