عزيز قوم
- Amr Kais
- Nov 23, 2024
- 2 min read

قد نتفق أو نختلف حول تعريف الطبقة المتوسطة من حيث الحد الأدنى أو الأقصى لدخلها، و لكن لا اعتقد أنه يوجد أي خلاف في توصيفها. فهي الطبقة التي تملك ما يكفي من الوعي والثقافة لإدراك أهمية توفير حياة كريمة وصحية ومتوازنة مادياً واخلاقياً لأبنائها و لو أدى ذلك إلى الحرمان من الكثير، وتقبل ظروف عمل شاقة و مجهدة في سبيل تحقيق ذلك. وبناء عليه، يحرص المنتمين لتلك الطبقة على إلحاق ابنائهم بمدارس خاصة املاً في تعليم أكثر جودة لأبنائهم و حلماُ بمستقبل أفضل لهم. بالإضافة إلى اشتراكهم في النوادي الرياضية الخاصة لإطلاق مواهب ابنائهم في الرياضات المختلفة وعلاجهم في المستشفيات الخاصة. كما تستعين بسياراتها الخاصة المتوسطة أو منخفضة القيمة في تنقلاتها. لذا، فهي تخفف الكثير من العبء من على عاتق الدولة، لأنها لا تحصل على بطاقات التموين أو أي سلع أو خدمات مدعومة، ناهيك عن تحملها تكاليف تعليم وعلاج أبنائهم الباهظة نيابة عن الدولة. و في المقابل، يعد المنتمين لهذه الطبقة من موظفين او حتى ملاك لمشروعات متوسطة وصغيرة الأكثر التزاماً بسداد مستحقات الدولة من ضرائب و تأمينات، و الأكثر انتاجاً على مدار العصور المختلفة لمعظم أعلام المجتمع في شتي المجالات الثقافية والاقتصادية و الفنية والاجتماعية والرياضية، ممن أسهموا بدورهم في تشكيل وجدان هذا الوطن. كما أنه من المعروف بأن الدخل المتبقي "disposable income" للطبقة المتوسطة و قدرته الشرائية يعد المحرك الرئيسي للرواج الاقتصادي، وكلما زاد يزداد معه هذا الرواج والعكس.
بناء على ما سبق، فإن هذه الطبقة تستحق أن ننحني لها احتراما، و لكن هل يكفي الاحترام وحده لطبقة قد أحني ظهرها بسبب ما تعرضت له من ارتفاع مطرد في الأسعار و توابع اقتصادية للثورات المتعاقبة ولتعويم الجنيه و رفع الدعم عن الطاقة والضرائب المستحدثة و الكورونا و حرب أوكرانيا و حرب غزه؟ علما بأن هذه الطبقة كانت قد بدأت في التآكل بالفعل قبل المرور بتلك الظروف. فطبقاً للدراسة التي قامت بها منظمة " إسكوا" “Escwa" عام 2000 فإن الطبقة المتوسطة شهدت تآكلاً ملموساً؛ حيث تراجعت من 48.5% إلى 44% لصالح الطبقة الأفقر. كما أشارت آخر الدراسات التي قام بها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن نسبة المواطنين تحت خط الفقر قد وصلت إلى 29,7%.
أتصور أنه قد آن الأوان للتفكير في حزمة من السياسات غير التقليدية والسريعة لحماية هذه الطبقة من التآكل. قد يكون منها على سبيل المثال: خصم كل مصاريف التعليم والعلاج التي تنفقها تلك الطبقات من الوعاء الضريبي الخاص بها؛ حيث أن الزيادة الرهيبة في هذين البندين تلعب دوراً كبيرا ً في إفقار تلك الطبقة. علاوة على توفير الإقراض منخفض التكلفة لمصاريف المدارس والجامعات بنفس منطق إقراض الشركات المتوسطة و الصغيرة. كما يمكن إعادة النظر في اعفاء المسكن الأول بالكامل من الضريبة العقارية وإلغاء نظام الشرائح التصاعدية في استهلاك الكهرباء و الغاز في حال رفع الدعم التام عنهما. مع عدم تحميل المواطن تكلفة أي عدم كفاءة في التشغيل ناتجة عن أي عمالة زائدة في مرافق الدولة. و يمكن أيضًا إعادة النظر في الحد الأدنى للأجور وربطها في القطاع الخاص بمستوى ربحية الشركات. تلك فقط أمثلة قليلة للكثير من الحلول الممكن بل من المحتم التفكير فيها وتطبيقها لتمكين العمود الفقاري للمجتمع - وهو الطبقة المتوسطة - من تحقيق أحلامها المشروعة في توفير بيئة صالحة لتنشئة مواطنين صالحين للوطن و انتشالها من كوابيس الخوف من السقوط في براثن الفقر المدقع.
أما آن الأوان كي نرحم عزيز قوم كاد أن ُيذل؟
Comments