top of page

لقاء الغرباء

  • Writer: Amr Kais
    Amr Kais
  • Sep 15, 2024
  • 2 min read


بات الحديث عن أثر التكنولوجيا وشبكات التواصل الاجتماعي على حياتنا الاجتماعية والأسرية والعاطفية إقراراً لواقعاً نعيشه أكثر منه استشراقا للمستقبل.  اجتماعياً، أصبح لدينا مئات الأصدقاء على شبكة التواصل الاجتماعي بعد أن كنا نحصي أصدقائنا على أصابع اليد الواحدة. ولكن تلك الزيادة الكمية أتت على حساب عمق هذه العلاقات ومتانتها والمشاعر الإنسانية التي تغلفها.  أسريا، أصبح اللقاء اليومي المقدس لأفراد الأسرة في الالتفاف حول مائدة الطعام وتبادل الحديث الدافئ حول أحداث يومهم وأخبارهم جزء من التاريخ السحيق لعادات الأسرة المصرية، التي أصبح كل فرد فيها مستغرقاً في عالمه الافتراضي الخاص به حتى أثناء لقاءاتهم النادرة الحدوث.  أما عاطفياً، فقد تحول الحب من أول نظره إلى حب من أول رسالة نصية، وأصبح الإعجاب يبنى على ما ينشره الشخص في صفحته على "الفيس بوك" بغض النظر عما إذا كان يعكس حقيقته أم الصورة التي يريد أن يراه الناس عليها.


 ثم نأتي إلى العلاقات الإنسانية في محيط العمل والتي من دونها تصبح بيئة العمل صحراء قاحله لا تحتمل.  وهي التي تحتل حيزاً كبيراً في حياتنا.  فنحن نقضي يومياً على الأقل 8 ساعات في أماكن عملنا وهو ما يشكل 50%من عدد ساعات عمرنا، إذا ما أستقطعنا عدد الساعات التي ننامها يومياً.  فمحيط العمل رغم قسوته طالما كان تربة خصبة للكثير من العلاقات العميقة التي أثرت حياتنا وأضافت اليها الكثير.  فمن منا لا يدين بالفضل لمدير ما آمن بقدراته ووفر له أمكانيات النجاح ودفعه اليه، أو لزميل وقف بجانبه في وقت الشدائد، أو زمالة تحولت الى صداقة عمر أو حتى تحولت الى قصه حب أو شراكة عمر.  حتى الشخصيات غير السوية التي لا يخلُ أي مكان عمل منها والمواقف الصعبة التي يتسببون فيها تكون في كثير من الأحيان قوة دافعة لإطلاق طاقة الإصرار والنجاح والمثابرة الكامنة فينا، لذا فنحن مدينون لهم أيضاً بذلك. وتبقى تلك العلاقات والمواقف واللحظات على مدار السنوات لتشكل أجمل ما نملك من ذكريات نذكرها ونتذكرها طالما حيينا.  ولم تكن كلها لتنشأ دون الاتصال الإنساني الشخصي المباشر بين أفراد فريق العمل في أي شركة.

 

الآن، بدأنا نلمس بعض التغير في شكل وأسلوب تلك العلاقات في محيط العمل. فعلى سبيل المثال، لاحظت دخول أحد المديرين في سجال حول أحد الموضوعات الخاصة بالعمل عبر تبادل العديد من رسائل البريد الإلكتروني مع أحد موظفيه الذي يبعد مكتبه عنه ثلاثة أمتار. وكان الأحرى به أن يجلس معه وجهاً لوجه ليستمع لوجهة نظره ويصححها إذا لزم الأمر، بدلاً من ذلك السجال الذي عادة ما يؤدى الى سوء الفهم ولا يسهم في زرع الود والتفاهم والثقة الواجب توافرها بين المدير ومرؤوسيه.  ومع الأسف لم تكن تلك الحالة الوحيدة، بل كانت ضمن الكثير من الحالات التي فضل فيها أفراد فريق العمل التواصل الإلكتروني بدلاً من الاتصال المباشر رغم قرب المسافات وسهولة التواصل الشخصي.


أما عن المستقبل، فيصعب حصر الأبحاث التي تتنبأ بآثار الثورة الصناعية الرابعة من كثرتها والتي تركز على الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المختلفة و منها تلك المفاهيم الجديدة مثل "Virtual offices"  "أماكن العمل الافتراضية " التي ستحل مكان مقرات الشركات الحالية.  ولكنني لم أوفق في الحصول على أي أبحاث تتنبأ بتأثير تلك التطورات التكنولوجية وتطبيقها على شكل وطبيعة العلاقات الإنسانية في محيط العمل.  وهل سيكون تأثيرها مشابه لتأثير التطور التكنولوجي وشبكات التواصل الاجتماعي السابق ذكرها على علاقاتنا الأسرية والاجتماعية أم سيختلف؟  هل سيأتي اليوم الذي لا يلتقي فيه أعضاء فريق العمل الواحد؟  أو ربما يكتشفوا أنهم زملاء في عمل واحد عندما يلتقون مصادفة في إطار آخر بعد ان عز اللقاء في مكان العمل, ليصبح كلقاء الغرباء كما وصفه الشاعر إبراهيم ناجي في قصيدة الأطلال؟  الله أعلم.

 
 
 

Comments


Search By Tags
Who Am I?

Dr. Amr Kais is a participating faculty at the AUC, a designated lecturer of various institutions, a Certified Management Consultant & Coach, also the founder and MD of Ipsos Egypt which is now the largest research company in Egypt and Middle East.

Other Posts
More on the web
Follow Me
  • Facebook Basic Black
  • Twitter Basic Black
  • Black YouTube Icon

© 2016 Amr Kais

bottom of page