top of page

معضلة الخبرة



"لا تستمع إلى النصائح من كل كبار السن، فالحمقى يكبرون ايضا". هي عبارة تلفت النظر إلى أهمية عدم الأخذ بخبرات من هم أكبر منا سنا دون تفكير و تدبر. فكلمة خبرة "Experience" مشتقة من الكلمة اللاتينية "Experientia" ومعناها تجربه أو اختبار.  وهي الكلمة التي نستخدمها لندلل على القيمة المعلوماتية والعملية لشخص ما في مجال أو تخصص ما.  وبناء عليه، فكلما زادت سنوات الخبرة لدى شخص ما كلما زاد تقديرنا لقيمته في مجاله.  وهو بالطبع ما جعلنا ُنثمن قيمة الخبرة بشكل مطلق سواء في مجال تربية الأبناء أو التعليم أو مختلف تخصصات الأعمال. إلا أنه عملياً على أرض الواقع يصبح هذا التقييم المطلق بعدد سنوات الخبرة مضللاً في كثير من الأحيان.  فمثلاً لا يمكن مساواة قيمة خبرة شخص أمضى 30 سنة في تعليم مستمر وممارسة عملية في مجال ما بقيمة خبرة شخص آخر أمضى أيضاً 30 سنه في مجاله ولكن فقط بتكرار عمل ما اكتسبه في العام الأول دون أي إضافة أو تعلم على مدار 29 عاماً!  لأننا في هذه الحالة سنساوى بين قيمة 30 سنه خبرة وتعلم وأداء حقيقي وبين خبرة سنة واحدة تكررت دون أي إضافة 29 مرة على مدار 30 سنة. 

 

وبغض النظر عن مشكلة التقييم، فالخبرة ليست كلها مزايا.  فقد أثبتت الكثير من الدراسات والشواهد العملية العلاقة القوية بين الخبرة والثقة المفرطة في كثير من الأحيان، والتي تؤدي بدورها إلى عواقب وخيمة.  وبعبارة أخرى، فكلما زادت سنوات خبرة الشخص في مجال ما، أصبح أكثر قابلية للإفراط في الثقة، ومن ثم أصبح أكثر عرضة لارتكاب أخطاء فادحة من فرط الثقة ليؤكد صحة المثل الشعبي "غلطة الشاطر بألف".   كما أن هناك علاقة عكسية قوية بين درجة الخبرة من ناحية والقدرة على تقبل التغيير واستيعاب كل ما هو جديد بشكل عام من ناحية أخرى. ففي أحيان كثيرة  تدفع الخبرة إلى مقاومة كل ما هو جديد ومختلف عن مخزون الخبرة لدى الشخص. حيث أن التغيير يعنى بالنسبة له بأن قواعد اللعبة قد تغيرت، وبأن خبراته أصبحت غير ذات صلة بتلك القواعد الجديدة، ومن ثم لا قيمة لها.  و كأنه أصبح بين ليلة و ضحاها على قدم المساواة مع عديمي الخبرة في سباق جديد لتعلم تلك القواعد الجديدة. و مع الإقرار بأننا صرنا نعيش في عالم الشيء الوحيد الثابت فيه هو التغيير - بل و بوتيرة شديدة التسارع- فهذا يعنى بالتبعية أن من لا يستطيع مواكبة هذا التغيير مآله إلى التقادم السريع.   و لعل تلك هي المعضلة الرئيسية في هذا الموضوع لأن الخبرة تستمد قيمتها من كونها مخزون معرفي يصلح للاستخدام والاستفادة منه في حال وجود تشابه وصلة بين ما خبرناه في السابق وما سوف يحدث مستقبلاً. لكن، ماذا لو كان ما سيحدث مستقبلاً منبت الصلة عما حدث في الماضي؟  وبالطبع نحن لا نعنى بهذا المستقبل البعيد، بل السنوات القليلة القادمة بدءً من الآن؛ حيث أصبحت بالفعل 47% من الوظائف الحالية مهددة بأن يحل محلها الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence)، وأصبح 35% من مواليد عام 2000 والأعوام التالية لها مهددين بالبطالة لذات السبب.

ختاما و بناء على كل ما سبق، هل أتى اليوم الذي اصبحت فيه خبرات الآباء والأمهات محدودة القيمة وغير ذات صلة بالنسبة للأبناء؟  وكذلك خبرات المديرين بالنسبة لمرؤوسيهم وحتى خبرات الأساتذة بالنسبة لطلابهم؟ وهل يستوجب هذا التغيير المتسارع إعادة النظر في دور وأسلوب كل من سبق ذكرهم في إعداد الأجيال القادمة لمواجهة مستقبل منبت الصلة عن ماضيهم، بل و عن حاضرهم؟ و هل تعتبر القدرة على التعامل مع المتغيرات المتسارعة في حياتنا خبره ام مهاره؟... هي معضله أليس كذلك؟ 

 

Search By Tags
Who Am I?

Dr. Amr Kais is a participating faculty at the AUC, a designated lecturer of various institutions, a Certified Management Consultant & Coach, also the founder and MD of Ipsos Egypt which is now the largest research company in Egypt and Middle East.

Other Posts
More on the web
Follow Me
  • Facebook Basic Black
  • Twitter Basic Black
  • Black YouTube Icon
bottom of page