العمل الفنى وإحترام المجتمع

يعتبر العمل الفنى مكوناً أساسياً فى الحياة الإقتصادية وعامل مؤثر فى جودة حياة المواطنين لتداخله فى كافة مناحى حياتنا مثل أعمال الكهرباء والسباكة والنجارة والحدادة وحتى الخدمة المنزلية والطهى وتصفيف الشعر وغيرها. ينعكس إهتمام كل المجتمعات بالعمل الفنى فى الإهتمام الشديد الذى توليه تلك المجتمعات للتعليم الفنى ولإشتراطها الحصول على التعليم و التدريب الفنى المناسب قبل منح التصاريح اللازمة لممارسة هذه الأعمال .

بمعنى أنه لا يسمح لأى شخص بمزاولة هذه الأعمال إلا بعد الحصول على ترخيص يضمن إلمام ممارسها بكل المهارات والتدريب بل وأخلاقيات المهنة المطلوبة لضمان جودة أداء الحاصل على هذا الترخيص كما هو الحال فى المهن الغير فنية مثل الهندسه والطب. ونتيجة لذلك فإن الأداء الراقى والأخلاقى لممارس تلك الأعمال الفنية فرض على هذه المجتمعات إحترام مزاوليها كنظرائهم من مزاولى المهن الأخرى.

وفى هذا السياق، أذكر أن حكى لى أحد سفرائنا فى أحد الدول الأوروبية أنه استقبل وزير خارجية هذا البلد فى الأحتفال السنوى بثورة يوليو، والذى حضر بصحبة ابنته الأستاذ بأحد الجامعات المرموقة وزوجها الذى يعمل كبير الطهاة فى أحد الفنادق. وكان وزير الخارجية يتحدث بكل فخر عن زوج ابنته ومهنته و الذى كان بالفعل محل إعجاب شديد من الحضور برقى تصرفاته ولباقته بل وثقافته ومستوى معلوماته العامة.

وفى ذات السياق، لفت نظرى فى الأسبوع الماضى عند زيارتى لأحد المكتبات الشهيرة تصدر كتاب " يوم من عمرى" أرفف هذه المكتبة وهو عبارة عن مذكرات مصفف شعر مصرى شهير (محمد الصغير). للحق اننى لأول وهلة تسائلت متشككاً فى جدارة هذا الكتاب ليحتل صدارة أرفف المكتبة وعن قيمة إنجازات ومذكرات مصفف شعر لتوضع فى كتاب، وهو تفكير ليس غريباً عن التفكير السائد فى مجتمعنا عن أصحاب هذه المهن، خاصة عندما يحصلوا على شهره وعائد مادى يفوق بكثير أصحاب الإنجازات فى المجالات العلمية والأدبية وغيرها. وتصادف أيضاً أن حل صاحب هذه المذاكرات ضيفاً على أحد هذه البرامج التليفزيونية وصرح بأنه تعلم على يد خاله وكان فى ذلك الوقت يضيق نفسياً بعدم حصول خاله على التقدير الذى يستحقه رغم تميزه، فقط بسبب مهنته، فصمم على الحصول على التقدير الذى كان يتمنى أن يحظى به خاله، كما بأنه تعلم أصول المهنة فى فرنسا حيث لا يسمح بمزاولة هذه المهنة إلا بعد الحصول على الشهادات اللازمة كشرط للحصول على ترخيص مزاولتها. وأضاف بأنه أدرك فى سنه المبكر بأنه إذا أراد أن يحظى بأحترام المجتمع، يجب أن يبدأ بأحترام نفسه، وأنه قرر أن يتبرع بعائد بيع هذا الكتاب لمؤسسة مجدى يعقوب لمساندة غير القادرين من مرضى القلب.

بعد كل ماسبق، لا يسعنى إلا أن أعترف بأن إنطباعى الذى تكون فى المكتبة كان غير موضوعى وأنك نجحت يا أستاذ محمد فيما عملت بجد لتحقيقه وهو الحصول على الأحترام الذى تستحقه وتغيير إنطباعى المسبق .

ومن هذا المنطلق، يجب أن نعمل على تغيير نظرتنا التقليدية لأصحاب هذه المهن، ويجب على أصحاب هذه المهن العمل الجاد لمساعدة المجتمع على تغيير تلك النظرة وأخيراً وليس آخراً يجب على الدولة توفير الاطار التعليمى و التدريبى والقانونى الذى يضمن عدم ممارستها إلا من المؤهلين لرفع مستوى هذه المهن ومن ثم الحصول على ثقة وإحترام المجتمع والذى فى هذه الحالة سيكون إحتراماً مستحقا.

"نحن بلد شهادات صحيح" على مقولة الفنان عادل إمام ، ويجب أن نبقى كذلك ولكن دون التفرقة بين الشهادة الفنية و مثيلتها الجامعية.