top of page

الصورة المزدوجة

  • Writer: Amr Kais
    Amr Kais
  • 1 hour ago
  • 2 min read
ree

تناولنا في المقال السابق التصاعد المتنامي للأصوات المشككة في جدوى الاندفاع المحموم وغير المسبوق في الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، محذرة من أن العائد على هذه الاستثمارات قد لا يبرر حجم الإنفاق. الأمر الذي ينذر بأننا ربما أمام فقاعة جديدة شبيهة بفقاعة الإنترنت التي شهدناها في مطلع الألفية. ولكي تكتمل الصورة، نستعرض هذا الأسبوع أهم نتائج تقرير شركة ماكينزي لسنة 2025 عن حالة الذكاء الاصطناعي عالميا والصادر في الشهر الماضي وأهم ما خلص اليه. فقد جاءت نتائجه بمثابة جرس إنذار للشركات والحكومات على حد سواء. فبينما يتسابق العالم للاستثمار في هذه التقنية الثورية، تكشف الأرقام أن الفجوة بين الطموحات والواقع لا تزال واسعة بشكل يثير القلق.

يشير التقرير إلى أن 88%  من الشركات تستخدم الذكاء الاصطناعي في أداء وظيفة واحدة على الأقل، وهو ما يعكس وصول التقنية إلى مرحلة الانتشار الواسع بين الشركات. لكن المفاجأة أن 28% فقط من تلك الشركات قد بدأت بالفعل في توسيع نطاق الاستخدام على المستوى المؤسسي بينما اكتفت باقي الشركات بتلك الوظيفة الواحدة.  أي أن معظم الشركات لا تزال عالقة في مرحلة التجارب واستخدام “CO Pilot” فقط، دون تحقيق الأثر المؤسسي الكامل لاستخدام الذكاء الاصطناعي. ومن أبرز المفارقات أن 92%  من المؤسسات تخطط لزيادة استثماراتها في الذكاء الاصطناعي، بينما لا يتجاوز عدد الشركات التي وصلت إلى "النضج الكامل" في استخدامه نسبة 1% فقط. بما يعني أن ضخ الأموال لا يترجم بالضرورة إلى نتائج ملموسة في شركات عديدة، وأن هناك حاجة ماسة إلى إستراتيجيات لاستخدام الذكاء الاصطناعي أكثر وعيًا وارتباطا بإعادة تصميم سير العمل والعمليات. أما عن الجانب المشرق في التقرير، فهو أن حوالي 62% من المؤسسات بدأت بالفعل في تجريب ما يسمى بـ الوكلاء الأذكياء، وهي النماذج التي لا تقتصر على الردود النصية مثل "الشات بوت"، بل تتجاوز ذلك إلى تنفيذ مهام متعددة الخطوات، واتخاذ قرارات تشغيلية، وربط البيانات الداخلية بالعمليات اليومية.  هذه النقلة النوعية تعني أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة مساعدة، بل أصبح جزءًا من البنية التشغيلية للشركات. كما ربط التقرير بين الشركات ذات الأداء العالي ورؤية هذه الشركات للذكاء الاصطناعي. فالشركات ذات الأداء العالي لا تنظر إلى الذكاء الاصطناعي كأداة لتحسين الكفاءة فقط، بل كرافعة للنمو والابتكار. فهي تستثمر في جودة البيانات، وتعيد تصميم سير العمل، وتدمج الذكاء الاصطناعي في وظائف متعددة، مما يمنحها ميزة تنافسية كبيرة.  أما على صعيد الوظائف، فتتوقع حوالي 32% من المؤسسات انخفاض حجم القوى العاملة بسبب الذكاء الاصطناعي، بينما ترى 43% منها أنه لن يحدث تغيير، بينما تتوقع 13% زيادة في الوظائف. وإن كانت هذه التباينات تعكس حالة من عدم اليقين، لكنها تؤكد أن الذكاء الاصطناعي سيعيد تشكيل طبيعة العمل، حتى لو لم يقلّص عدد الوظائف بشكل مباشر. كما كشف التقرير عن تفوق جيل الألفية (Millennials) في التعامل مع الذكاء الاصطناعي مقارنة بالأجيال الأخرى. فهم أكثر استعدادا للتجربة وأكثر ثقة في قدراتهم، بينما يظهر جيل الطفرة (Boomers) أقل جاهزية. هذه الفجوة الجيلية قد تحدد مستقبل المؤسسات، إذ أن سرعة تبني الذكاء الاصطناعي مرتبطة بمدى استعداد القوى العاملة للتكيف معه.

ختاما، فإن التقرير يضع أمامنا صورة مزدوجة، من جهة انتشار واسع للذكاء الاصطناعي يعكس حتمية التحول الرقمي؛ ومن جهة أخرى فجوة كبيرة بين الطموح والواقع تكشف أن الطريق ما زال طويلًا. ويخلص التقرير إلى أن الذكاء الاصطناعي لم يعد خيارًا، بل ضرورة إستراتيجية. لكن النجاح لا يتحقق بالاستثمار المالي وحده، بل يحتاج إلى إعادة تصميم العمليات وسير العمل. علاوة على ضرورة الاستثمار في تدريب كوادر العمل وإعادة تأهيلهم، وتعزيز جودة البيانات كأساس لأي تطبيق ناجح.  وهو ما يصنع الفارق بين من يتعامل مع الذكاء الاصطناعي كأداة إستراتيجية شاملة ومن يكتفي بالتجارب السطحية.

 

 
 
 

Comments


Search By Tags
Who Am I?

Dr. Amr Kais is a participating faculty at the AUC, a designated lecturer of various institutions, a Certified Management Consultant & Coach, also the founder and MD of Ipsos Egypt which is now the largest research company in Egypt and Middle East.

Other Posts
More on the web
Follow Me
  • Facebook Basic Black
  • Twitter Basic Black
  • Black YouTube Icon

© 2016 Amr Kais

bottom of page