دروس العريان

"إن أفضل معلم هو من يعلمك أين تنظر وليس ما يجب أن تراه .. كيف تفكر لا أن يفكر نيابة عنك"

هو قول مأثور كان حاضراً بشده فى المحاضرة الممتعة لمحمد العريان (كما يحب مناداته دون ألقاب) التى ألقاها مؤخراً بالغرفة التجارية الأمريكية بالقاهرة. و هو ُأولي الدروس القيمة لمتخذي القرارات الإقتصادية فيما يتعلق بكيفية دراسة وتحليل الأحداث بعمق وربطها للوصول إلى إستنتاجات تساعد على إتخاذ القرار الرشيد.

و رغم أن المقولة أعلاه كفيلة بإنارة الدرب للتفكر والتبصر، فقد إنصبت أغلب أسئلة الحضور فى إطار "ماذا نفعل بالضبط؟" أى في مطالبة الرجل بالتفكير وإتخاذ القرار نيابة عنهم ، وهو مطلب غير واقعى بحكم عدم إقامته فى مصر وعدم إلمامه بالكثير من الظروف والمتغيرات المحلية.

كما ينطوي علي تقليل من قيمه درس "كيف تفكر؟" لأنك متي تعلمت كيف تتدبر الأمور لن تحتاج لآخر كي يتَقَصَّى و يقرر لك.

أما الدرس الثانى فهو كون العريان مثال حى للمردود الكبير للتعليم الجيد. فهو إبن لأحد أعضاء السلك الدبلوماسى المصرى، الذى أدرك أهمية توفير التعليم الراقى لإبنه فألحقه بجامعة كامبريدج العريقة ثم أتبعها بالحصول على الماجستير من جامعة أكسفورد.

ومهما كانت تكلفة الدراسة بهذه الجامعات، فإنها لا ُتقارن بقيمه العائد والأرباح التى حققها للمؤسسات التى عمل بها مثل محفظة هارفارد الإستثمارية أو بيمكو أو أليانز علاوة علي القيمة الفكرية الكبيرة لمقالاته وكتبه التى أثرى بها علم الإقتصاد والإستثمار.

لذا، أتمنى أن يكون كل لقاء له مع متخذى القرار فى مصر تذكره لهم بنوع الفارق الذى يمكن أن ُيحدِثه الإهتمام بجودة التعليم .

أما ثالث الدروس فهو إجتماع العلم والإحترام والثروة فى شخص واحد، وهو أمر يندر أن نجده حولنا. فمحمد العريان بالإضافة إلى حصوله على أعلى الدرجات العلمية من أفضل الجامعات، قد تم إختياره ضمن أفضل مائة مفكر على مستوى العالم Top 100 Global Thinkers”"من ِقبل مؤسسة فورين بوليسى. كما تبلغ ثروته ما يزيد عن 2.3 مليار دولار، وهى بالطبع لا تقارن بحجم الأرباح التى حققها للمؤسسات التى عمل بها.

وقد كان للوفاء وإستشعار المسئولية المجتمعية نصيباً كبيراً فى تكوين شخصية محمد العريان، وهو الدرس الرابع.

فكان من كبار المتبرعين والمساندين لمستشفى 57357 تقديراً منه لدورها فى خدمه أبناء بلده الأم مصر. كما فعل الشيء ذاته مع جامعة كامبردج إعترافاً منه بفضل ودورالمؤسسة العلمية العريقة فى بناء تكوينه العقلى والشخصى، و لتتمكن من القيام بنفس الدور مع آخرين.

أما الدرس الأخير، فلا يقل أهمية عن سابقيه ، حيث أدرك العريان الأب أن توفير وقت لرعاية ابنته لا يقل أهمية عما ينفقه علي تعليمها و توفير حياة كريمة لها. فقرر وهو فى أوج مجده الإستقالة من منصبه التنفيذى فى مؤسسه بيمكو ليوفر الوقت الكاف لتنشئتها النشأة الصحيحة.

إن دروس العريان تشعرنا بضآلة حجم الكثيرين ممن يملؤن الدنيا حولنا صخباً وضجيجاً بلا قيمة.. لعلهم يتعلمون أو يصمتون!