top of page

من آمن العقوبة



"افعل ما تشاء وانجو بفعلتك" شعار يصلح بجدارة لوصف الحالة المجتمعية الحالية والأحداث التي نعيشها يوميا ونتكبد بسببها خسائر فادحة، سواء كانت بشرية أو مادية واضراراً بالغة نفسياً وأخلاقياً.


ففي الأسبوع الماضي فوجئنا بحادث انفجار ماسورة الغاز على الطريق الدائري وما سببته من وفيات واصابات وعذاب للآلاف وتعطل مصالحهم بسبب غلق الطريق الدائري جراء ذلك. وما أن اتضح أنه ليس بفعل عمل إرهابي، تنفس الجميع الصعداء وكأن جميع أطراف الإهمال الذين تسببوا في ذلك لا لوم عليهم والأمر برمته صورة من صور القضاء والقدر الذي يجب ان نتقبله وينتهي الموضوع عند هذا الحد. وقبلها بأيام معدودة، احترقت صالة الألعاب بنادي الجزيرة قبل ساعات من امتلائها عن بكرة أبيها بمئات الأطفال دون سن العاشرة بفعل ماس كهربائي. وأيضا تنفس الجميع الصعداء لعدم حدوث وفيات على اعتبار أن الماس الكهربائي ايضاً قضاء وقدر. رغم أن الطبيعي في حالة حدوث مشكلة في الدوائر الكهربائية أن ينقطع التيار وليس أن يحدث حريق بهذا الحجم. ثم تجرع سكان جنوب القاهرة والمعادي العذاب في نفس الأسبوع لحد حبسهم في وسائل المواصلات أكثر من أربع ساعات للوصول من مكان إلى آخر داخل حي المعادي نفسه بسبب الاغلاق المفاجئ لكوبري طره بعد ان بدأ في الانهيار فعليا بسبب الإهمال في صيانته. لكن أيضا "حصل خير" ولا توجد مشكلة في عذاب الناس وخسائرهم وتعطل مصالحهم.


وفي سياق مماثل، تتلقى شركة اجنبية إخطاراً من مصلحة الضرائب بفحص ضرائبها عن فتره معينة، ثم وقبل أن يتم الفحص تتلقى إخطاراً آخر بطلب سداد الملايين من الجنيهات فروق ضرائب عن ذات الفترة دون أي فحص. وتتكبد الشركة العناء والجهد والمصاريف والوقت في طعون وقضايا لإثبات سلامة موقفها. وبعد ثبوته لا ُيحاسب من قام بهذا الفعل العبثي. وقس على ذلك كل حالات الأذى الجسيم الذي تسبب فيه كل صاحب سلطة أساء استخدامها إلي حد الحبس وتشويه السمعة والخسائر المادية للكثيرين دون حساب! وعلى ذكر السمعة، فكم من إعلامي قام باغتيال كثير من الناس معنويا بلا دليل؛ إما بدافع الشهرة او تصفية حسابات شخصية. بل ووصل الأمر الى سب دول شقيقة والتسبب في أزمات دبلوماسية، ثم يمر كل ذلك دون حساب. وفى الشارع وعلى أثر حادث مروري بسيط، تنهال سيدة وزوجها على سيدة أخرى ضرباً بالحذاء ثم ينصرفا الى حال سبيلهما وكأن شيء لم يكن على مرأى ومسمع من الشرطة والناس.


قد يبدو كل ما سبق غير مستغرباً إذا تأملنا لوهلة التغير الجذري الذي حدث في تربيتنا لأبنائنا. فبعد أن كانت أخطاء الأبناء لا تمر دون عقاب أو على الأقل استخلاص درس لضمان عدم تكرار الخطأ مره أخرى مع الاعتذار عنه بالطبع، أصبح أولياء الأمور اليوم سند الأبناء في ارتكاب الأخطاء دون حساب. بل أن من يجرؤ على مجرد لفت نظرهم أو مؤاخذتهم يلقى ما يكره من أولياء الأمور بدلاً من حثهم على الاعتذار. و إذا حاولت الَمدرسة محاسبتهم يكون نصيب المدرسين علقة ساخنة من قبل أولئك الآباء.


من آمن العقوبة أساء الأدب في زمن أصبح ُينظر فيه للأدب على أنه نوع من السذاجة وقلة الحيلة.


Search By Tags
Who Am I?

Dr. Amr Kais is a participating faculty at the AUC, a designated lecturer of various institutions, a Certified Management Consultant & Coach, also the founder and MD of Ipsos Egypt which is now the largest research company in Egypt and Middle East.

Other Posts
More on the web
Follow Me
  • Facebook Basic Black
  • Twitter Basic Black
  • Black YouTube Icon
bottom of page