top of page

الاجتماع العقيم


كثيرة هي الأمور المتكررة في حياتنا والتي تتحول مع تكرارها الى عادة تشكل جزء من حياتنا دون الالتفات إلى جدواها أو حتى الوقوف على سلبياتها ومحاولة علاجها. ولعل أوضح مثال على ذلك في حياتنا العملية الكثير من الاجتماعات التي ُندعى إليها. والتي في كثير من الأحيان لا نسأل أنفسنا عن ضرورتها أو العائد من ورائها ومدى تحقق الهدف منها. ربما لأن الموضوع قد لا يبدو على قدر كبير من الأهمية، أو ربما بسبب ثقافة الصبر التي تعيننا على تقبل إضاعة الكثير من الوقت على أمور لا تستدعي إضاعة كل هذا الوقت فيها، مثل المعاملات الحكومية وغيرها، ولأنه في النهاية "اجتماع يفوت ولا حد يموت".

ولكن للتعرف على أهمية هذا الموضوع يكفي أن نعلم بأن المديرين التنفيذيين للشركات والمسؤولين يقضون حوالي 23 ساعة أسبوعياً في اجتماعات، أي بما يزيد عن 50% من عدد ساعات عملهم وذلك وفقاً للدراسة التي نشرتها دورية "Harvard Business Review" والتي شملت أكثر من 200 من المديرين التنفيذيين من قطاعات مختلفة مثل الدواء وتكنلوجيا المعلومات والتجزئة وغيرها. والمثير للانتباه أيضاً هو حقيقة أن عدد الساعات التي نستغرقها في الاجتماع تزيد بمرور الوقت، حيث كان متوسط عدد الساعات التي يقضيها المديرين خلال حقبة الستينات في الاجتماعات لا تزيد عن 10 ساعات أسبوعياً، أي أقل من نصف عدد الساعات التي نقضيها حالياً.

وقد أشارت الدراسة أيضاً إلى أن 17% فقط من المديرين الذين شملهم البحث يرون أن الاجتماعات مفيدة، ويرى 65% من المديرين أن هذه الاجتماعات تعوقهم بشكل مباشر عن إنجاز متطلبات وظائفهم الأساسية بشكل يضطرهم للسهر ليلاً أو العمل خلال العطلات بما يؤثر سلباً على حياتهم الأسرية والخاصة ومن ثم على حالتهم النفسية ومعنوياتهم وقدرتهم على الاستمرار في وظائفهم. ويؤدي ذلك أيضاً إلى عدم قدرتهم على القيام بما يطلق عليه "The deep work" وهو الأعمال الاستراتيجية التي تتطلب التفكير بتركيز شديد دون إزعاج أو مقاطعة والتي عادة ما يتوقف مستقبل الشركات عليها. وبالطبع فإن الحلول التقليدية التي نعرفها مثل عمل أجندة للاجتماعات والاجتماع وقوفاً منعاً لإطالة زمن الاجتماع وغيرها لا تكفي لوضع حد لهذا الإهدار الشديد للوقت والموارد بسبب تلك الاجتماعات غير المجدية. ولا تكفي لتحويل من يحضر الاجتماع من سجين إلى مشارك فاعل.

لذا، فقد طرحت هذه الدراسة مبدأ أساسي ليس فقط لحل مشكلة الاجتماعات ولكن لحل كل تلك الأمور المشابهة التي تستهلك عمرنا وتستغرق وقتاً لا يتناسب مع العائد منها. وهو "Transform instead of tolerate" "قم بالتغيير بدلاً من التكيف" ولكي نتمكن من القيام بهذا التغيير للأفضل، يجب أولاً أن نخلق عادة التقييم الدوري لهذه الاجتماعات أو الأنشطة المماثلة التي تستغرق الكثير من وقتنا. ويجب إشراك كل من لهم علاقة بهذه الأنشطة في هذا التقييم للتعرف على انطباعاتهم وكيفية تأثيرها عليهم وآرائهم فيها. ثانياً، يجب أن ندرك أن هذه الاجتماعات وسيلة للوصول إلى أهداف محددة وليست غاية في حد ذاتها. وبالتالي يمكن أن تتغير الوسيلة مع تغير الأهداف. وأخيراً، لا يجب أن نسمح للتعود والتأقلم أن يكون سبباً في السماح للكثير من الأمور غير المجدية أن تكون سبباً في سرقة وقتنا ومن َثم عمرنا.

Search By Tags
Who Am I?

Dr. Amr Kais is a participating faculty at the AUC, a designated lecturer of various institutions, a Certified Management Consultant & Coach, also the founder and MD of Ipsos Egypt which is now the largest research company in Egypt and Middle East.

Other Posts
More on the web
Follow Me
  • Facebook Basic Black
  • Twitter Basic Black
  • Black YouTube Icon
bottom of page