تكريم المبادئ

أتى فوز وتكريم لاعب مصر الدولي محمد صلاح المستحق بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا من قبل الاتحاد الأفريقي لكرة القدم في وقت يندر فيه وصول التكريم لمستحقيه مما ضاعف الفرحة بهذا الفوز والتكريم. هو تكريم مستحق لأنه يعلي قيمة الاجتهاد والمثابرة والتواضع ودماثة الخلق التي تمثلت في اللاعب المكرم. ومن ثم يروج لهذه القيم والفضائل بين الشباب ويشجعهم على التميز فيها أملاً في الحصول على تكريم مماثل.

أما عن ندرة وصول التكريم لمن يستحق أو بمعنى آخر تكريم من لا يستحق فهو ما نشهده في الأصعدة المختلفة على المستوى المحلي. حيث نسمع كل يوم عن تكريم أشخاص أو فوزهم بجوائز حصولهم على ألقاب من جهات مجهولة أو حتى معروفة في أحيان أخرى دون معرفة أو الإفصاح عن المعايير والحيثيات التي أدت على فوز هؤلاء الأشخاص بتلك الجوائز والألقاب دون غيرهم. وقد استشرت تلك الظاهرة بشكل كبير مؤخراً في كل المجالات، في الفن، الثقافة، الإعلام، الأعمال والاقتصاد، وغيرهم. بما يثير الكثير من علامات الاستفهام حول المانحين والحاصلين على الجوائز على حد سواء. وينشر غمامة من الإحباط على من يستحق هذا التكريم، كما يروج للكثير من القيم السلبية التي يتحلى بها في الكثير من الأحوال هؤلاء المكرمون عن غير استحقاق.

على النقيض من ذلك، نجد مثلاً جامعة هارفارد عندما تقوم بصفة سنوية بنشر دراسة عن أفضل مائة مدير تنفيذي على مستوى العالم، فإنها تنشر تقريراً مفصلاً عن المعايير المستخدمة وكيفية احتساب الأوزان والنقاط الخاصة بكل معيار وكذلك أسماء أساتذة الجامعة اللذين قاموا بذلك.

فقد شملت هذه الدراسة المديرين التنفيذيين لكل الشركات المدرجة في مؤشر S&P GLOBAL وهو يمثل 70% من سوق الأسهم العالمية ويشمل شركات من أمريكا وأوروبا وأمريكا اللاتينية وأستراليا وآسيا. ويشترط أن يكون المدير قد أمضى عامين على الأقل في وظيفته لتكون فترة كافية لتقييم أثر إدارته على الشركة، وتم استبعاد كل من اتهم في جرائم أو ممارسات لا أخلاقية لتشمل هذه الدراسة 898 مدير تنفيذي على مستوى العالم. وتشمل معايير التقييم بالإضافة على المؤشرات المالية مثل قياس التحسن في قيمة السهم والأرباح منذ أول يوم للمدير وحتى الآن، مؤشرات أخرى هامة مثل إتباع معايير الحوكمة، المسؤولية المجتمعية، بيئة العمل الداخلية، الشفافية.

وقد حصل على المركز الأول هذا العام "بابلوإيسلا" "Pablo Isla" المدير التنفيذي لشركة "Inditex" المالكة للعلامات التجارية الشهيرة ZARA, PULL & BEAR,BERSHKA, MASSIMO DOTTI وهي الشركة التي تملك أكثر من 7300 فرعاً في 93 دولة حول العالم، وتفتتح في المتوسط فرعاً جديداً كل يوم. حيث نجح "إيسلا" في رفع القيمة السوقية لسهم الشركة 5 أضعاف منذ العام 2005 وفي مجال البيئة، نجح في خفض استهلاك الشركة من المياه بنسبة 40% والطاقة بنسبة 20%، هذا بالإضافة الى المساهمة في الأعمال التنموية وتحقيق أعلى قدر من النزاهة والشفافية والراحة في بيئة العمل. وقد ورد بالتقرير بأنه لو تم الأخذ في الاعتبار المؤشرات المالية فقط، لأحتل المركز الأول "JEFF BEZOS" المدير التنفيذي لشركة "أمازون" الشهيرة ولكن بعد اعتبار المؤشرات الأخرى، احتل "إيسلا" المركز الأول ليكون في ذلك رسالة واضحة بأن تلك المؤشرات لا تقل أهمية عن المؤشرات المالية في تقييم كفاءة أي مدير تنفيذي ومن ثم وجب عليه الاهتمام الشديد بها.

هكذا يصبح التكريم أداة فاعله في ترويج قيم ومبادئ إيجابية وليس وسيلة في يد المغرضين لتحقيق مآرب أخرى!