top of page

مصيبة التأقلم



انتشر في الأسبوع الماضي على شبكات التواصل الاجتماعي أحد مقاطع الفيديو يصور بعض موظفات أحد المصالح الحكومية وهن منهمكات في عمل المحشي في تلك المصلحة. ثم تلقفت بعض البرامج الحوارية بالفضائيات هذا المقطع وقامت بعرضه على أنه من الغرائب الصادمة. وبالطبع على أثر ذلك قامت تلك البرامج بالتواصل مع المسؤول عن تلك المصلحة الحكومية والذي صرح بأنه بالتحري عن تلك الواقعة فقد اكتشف انها تعود الى العام 2015 وبأنه سيتم إحالة الموظفات للتحقيق. وهو ما يعطي انطباعاً بأن ذلك كان الحال منذ ثلاثة سنوات مضت ولكن الوضع الآن يختلف. بمعنى أننا إذا ذهبنا لذات المصلحة اليوم سنجد انضباطاً وتفاني في أداء العمل بدلاً من المحشي، فهل هذا صحيح؟ بل والأكثر من ذلك، إذا ما تتبعنا ما حدث لموظفات المحشي منذ 2015 وحتى اليوم، ألن نجد تقييماتهن السنوية ممتازة، وأنهن قد حصلن على كامل حوافزهن وزيادة مرتباتهن السنوية وربما ترقياتهن أيضاً؟


إن تلك الواقعة تعد وبلا شك مهزلة وغير مقبولة بكل المقاييس، ولكن هل تعد مفاجأة لأي منا؟ فكلنا نتعامل مع تلك المصالح ونشهد بأعيننا الكثير من الوقائع الصارخة المماثلة حتى أصبحت تلك الوقائع جزءً لا يتجزأ من ثقافة العمل الحكومي السائدة. وكانت ولازالت مشاهد دائمة في الأعمال الدرامية والسينما المصرية مع اختلاف الأبطال والأزمنة.


إن ما حدث من موظفات المحشي لا يعد إلا اتساقاً مع ثقافة العمل السائدة في العمل الحكومي وتأقلم مع بيئة العمل المحيطة بهن. لذا فإذا أردنا تغيير هذا الواقع المؤلم وتغيير سلوكياته، يجب أن نبدأ بتغيير ثقافة العمل نفسها والاعتراف بأهميتها. وهو ما يجعل الكثير من المؤسسات تستثمر الملايين في غرس ثقافة عمل إيجابية في موظفيها. وهو ما يجعلنا نفتخر بنبوغ الكثير من المصريين الذين لا يزيدوا شيئاً عنهن، سوى أنهم استطاعوا التأقلم مع ثقافة العمل الإيجابية السائدة في مؤسساتهم سواء داخل مصر أو خارجها. وهو التغيير الذي حاولت الحكومة مشكورة عمله متمثلاً في قانون الخدمة المدنية الذي تقدمت به والذي كان يخلق لأول مرة التوازن بين الحقوق والواجبات ويربط بين الأجر والعمل ويجعل من الإجادة والتفوق أساس للترقية والحوافز وزيادة الراتب، ولكن مع الأسف تعرض هذا القانون لمقاومة شديدة أدت الى إدخال الكثير من التعديلات عليه حدت من فاعليته وقدرته على إحداث التغيير المطلوب في الثقافة السلبية السائدة. هذا بالإضافة الى عبارة: "لا مساس بحقوق العاملين" التي ُتستخدم من ِقبل الكثيرين للحصول على شعبية دون الحديث عن الواجبات، وهو ما يجعل الحديث أو القبول المجتمعي لأي إصلاح إداري شديد الصعوبة.


وعلى ذكر حقوق العاملين، لا يفوتني هنا، إحقاقاً للحق، ذكر حقيقة مؤلمه وهي أن الكثير من الموظفين الحكوميين يعملون في بيئة غير آدمية بالمرة من حيث النظافة والتهوية والإمكانيات، وبأن الكثير منهم قد نجح في عدم التأقلم ومقاومة تلك الثقافة السلبية السائدة ويقوم بعمله الحقيقي وليس المحشي على أكمل وجه.


يبقى أن نتساءل، على أي أساس سيتم التحقيق مع الموظفات في ظل غياب قانون رادع وفي ظل اتفاق ما قمن به مع الثقافة السائدة؟!


من آمن العقوبة أتقن عمل المحشي!!

Search By Tags
Who Am I?

Dr. Amr Kais is a participating faculty at the AUC, a designated lecturer of various institutions, a Certified Management Consultant & Coach, also the founder and MD of Ipsos Egypt which is now the largest research company in Egypt and Middle East.

Other Posts
More on the web
Follow Me
  • Facebook Basic Black
  • Twitter Basic Black
  • Black YouTube Icon
bottom of page