top of page

الخصوصية المفقودة


لم يكد يمضي أسبوع على اندلاع فضيحة تسريب البيانات الشخصية لمستخدمي شبكة التواصل الاجتماعي "فيس بوك" "Facebook" لشركة "كمبريدج أناليتيكا” "Cambridge Analytica" بهدف استغلالها في التأثير على نتائج الانتخابات الأمريكية، إلا وقد بدأت تداعياتها في الظهور في كل أنحاء العالم. وهي تلك التداعيات التي لم تقتصر في تأثيرها على فيس بوك فقط وخفض القيمة السوقية له ب 60 مليار دولار، ولكن امتدت لتغير تماماً أسلوب ومعايير التعامل وتداول البيانات الشخصية للأفراد، سواء من ِقبل الشركات التي تحتفظ بهذه البيانات، أو من الأفراد أنفسهم.


فقد فتحت الكثير من الجهات العليا في مختلف أنحاء العالم تحقيقات للوقوف على حجم هذه المشكلة وعلى مدى جدية وفاعلية الإجراءات التي تتخذها الشركات والسياسات التي تتبعها لحماية البيانات الشخصية التي تحتفظ بها سواء لعملائها أو لموظفيها.


وكان على رأس هذه الجهات، مجلس العموم البريطاني الذي أكتشف مبدئياً أن حجم البيانات المسربة لا يقل عن 87 مليون مستخدم وليس 50 مليون كما ادعت "فيس بوك". وبالطبع سوف ُتوقع عقوبات شديدة بموجب القانون البريطاني على الشركتين طرفي تلك الواقعة. ولكن الأهم هو قرار الاتحاد الأوروبي بتعجيل تطبيق القواعد العامة لحماية البيانات "GDPR" "General Data Protection Regulation” بدأًً من 5/25، وهو الذي يعد نقطة تحول فارقه في مجال حماية البيانات الشخصية وملزماً لكل الشركات سواء كانت تعمل داخل الاتحاد الأوروبي أم لا، طالما أنها تحتفظ ببيانات شخصية لأي مواطن ينتمي إلى دول الاتحاد الأوروبي سواء كان موظفاً في الشركة أو عميلاً لديها أو حتى مورداً. ويكفي أن نعلم حجم العقوبات التي يفرضها هذا القانون على الشركات المخالفة لكي ندرك نوع التحول الذي سيحدثه في هذا المجال؛ حيث يفرض غرامة تصل إلى 4 % من قيمة الإرادات العالمية السنوية للشركة وليس المحلية فقط. بمعنى أنه في حالة ما إذا كانت واقعة "فيس بوك" قد حدثت بعد تطبيق القانون، لكانت الغرامة المطبقة عليها تزيد عن المليار ونصف دولار أمريكي. لذا، لم يكن مستغرباً أن تعلن أكبر 500 شركة في العالم عن تخصيص ميزانية تزيد عن ال 7،8 مليار دولار لتوفيق أوضاعها مع القانون الجديد وإعادة هيكلة أنظمتها الداخلية بالشكل الذي يضمن الحفاظ على سرية البيانات الشخصية وعدم تسريبها.


ُيعرف القانون وُيحدد بوضوح ما ُيعتبر بيانات شخصية ينطبق عليها القانون مثل العنوان- الديانة- بيانات بطاقات الائتمان- تواريخ وتفاصيل البحث على الأنترنت وكذلك السفر والتنقل واستهلاك السلع والخدمات. كما يعطى القانون الحق المطلق لصاحب البيانات بطلب مسح هذه البيانات من قواعد بيانات الشركة بالإضافة إلى الكثير من الحقوق الأخرى. ويعتبر ذلك أمراً واجب التنفيذ من قبل الشركة وإلا تقع تحت طائلة القانون. ولا تملك الشركة استخدام البيانات في غير الغرض الذي ُجمعت لأجله، وبالطبع لا يحق للشركة الإفصاح عن هذه البيانات لأي طرف ثالث.


بالإضافة إلى حقيقة أن القانون ُيعد مرجع قيم للجهات المسئولة في مصر في حال رغبتها عمل تشريع مماثل لحماية خصوصية المواطن، فإنه أيضاً يتعين على الكثير من الشركات المصرية التأكد من توفيق أوضاعها مع هذا القانون، وعلى رأسها شركات خدمات التعهيد ومراكز الاتصال "Call Centers" لأنها تحتفظ بقواعد بيانات لعملاء شركات في الاتحاد الأوروبي وتقوم بالاتصال بهم نيابة عن هذه الشركات. أضف إلى ذلك شركات التسوق عبر الانترنت المصرية وغيرها. وبغض النظر عن القانون وتبعاته الهامة، يجب نشر ثقافة احترام الخصوصية المفقودة بكل أشكالها في المجتمع.

Search By Tags
Who Am I?

Dr. Amr Kais is a participating faculty at the AUC, a designated lecturer of various institutions, a Certified Management Consultant & Coach, also the founder and MD of Ipsos Egypt which is now the largest research company in Egypt and Middle East.

Other Posts
More on the web
Follow Me
  • Facebook Basic Black
  • Twitter Basic Black
  • Black YouTube Icon
bottom of page