top of page

توجه طال انتظاره



انتشرت على نطاق واسع ظاهرة نشر الكثير من الناس لصور على شبكات التواصل الاجتماعي بهدف المقارنة بين ما كان عليه حالنا في الماضي وما آل إليه الحال الآن في شتى المجالات، مثل صورة لطلبة وطالبات الجامعة في سبعينات القرن الماضي وصورة للطلبة الآن، أو طاقم التمريض لمستشفى أو مباراة لكرة القدم، أو حتى حفل للسيدة أم كلثوم. وبالطبع يصحب تلك الصور تعليقات تعبر عن الحسرة على تآكل الكثير مما كان يميز الهوية المصرية وخصوصاً طبقتها الوسطى وأسلوب حياتها مثل الأناقة واللياقة والنظافة والنظام، وغيرها. بل وقد تم عمل عدة برامج إذاعية تدور حول نفس الفكرة وهي المقارنة بين أسلوب التعامل مع موقف على فرض حدوثه الآن مقارنة بأسلوب التعامل معه في الماضي. لعل تلك الظاهرة بقدر ما تثيره من شجون، تبعث أيضاً على الأمل، حيث أنها تدل على افتقاد قطاع كبير من المجتمع للهوية المصرية وسماتها قبل تعرضها للتشوه والتآكل بفعل عوامل كثيرة. ومن ثم يأتي إعلان بناء الإنسان المصري كأولوية أولى للمرحلة القادمة في حد ذاته خبراً سعيداً لأنه في حال تحقيق ذلك، سنتمكن من استعادة تلك الهوية المفتقدة، وسنكون ولأول مره قد عالجنا المرض وليس العرض كما كنا نفعل دوماً في الماضي. فبناء الإنسان هو الحل الجذري لكل مشكلاتنا المزمنة من فقر ومرض وفساد وغيره والتي لا تعد إلا عرضاً لإهماله.


لا شك في أن النهوض بمؤسسات الدولة المعنية بالتعليم والصحة والثقافة سيكون له أثراً كبيراً في بناء الإنسان المصري ولكنه وحده لن يكون كافياً على الإطلاق. وعلى ذكر مؤسسة التعليم يجب التأكيد على أن تسميتها "وزارة التربية والتعليم" يجب أن يكون على مسمى، بمعنى عدم اغفال دورها التربوي شديد الأهمية وذلك لأنه رغم حماسي الشديد للكثير من أفكار السيد الوزير التي طرحها مؤخراً إلا انها كلها تتركز حول إصلاح التعليم ولم تتطرق أي منها إلى إحياء الدور التربوي للوزارة. رغم أن أستعاده منظومة القيم والأخلاق المفقودة وإعادة تأهيل الضمير الغائب تأتى على رأس أولويات بناء الإنسان المصري.


كما اننا لا نستطيع اغفال الدور الحيوي والمؤثر للمؤسسات الدينية والإعلام في هذا الشأن وخصوصاً مع استمرار انتشار الأمية. والحقيقة أننا لا نملك رفاهية الانتظار لسنوات طويله لجنى ثمار إصلاح التعليم. وهو ما يتطلب ليس فقط إعادة هيكلة أو بناء تلك المؤسسات، بل تغيير شامل للكثير من العقليات والوجوه القائمة عليها. حيث لا يمكن حل مشكلة ما بالإبقاء على من ساهم في خلقها. وما ينطبق على المؤسسات الدينية والإعلام ينطبق على النخب والكثير ممن يتصدرون المشهد في كثير من المهن والمجالات: فهم يفتقدون الكثير من قيم القدوة رغم دورهم الهام في تشكيل منظومة القيم للمجتمع وتوجيه الرأي العام. ولعلى أدعى بأن اللفظ المجتمعي واقتلاع تلك النوعيات يعد من أهم تحديات اعاده بناء الإنسان المصري والاختبار الحقيقي لجدية هذا التوجه المصيري.


كما أتوسم أن تكون نقطة البداية لهذا التوجه المحمود هي عمل ما يطلق عليه " Damage assessment" أو تقييم للأضرار والأمراض الاجتماعية التي أصابت الهوية المصرية وأسبابها. وذلك لحصر كل النواحي السلبية الواجب التعامل معها وعلاجها من قبل كافة الجهات السابق ذكرها. ثم نأتي إلى إعادة صياغة الهوية المصرية الحديثة التي نأمل في تحقيقها والتي يجب أن تجعل المواطن المصري قادراً على مواجهة التحديات المستقبلية المتوقعة والتأقلم مع ما يحدث في العالم من مستجدات. ولا يعد ما سبق اختراعا فهو ما قامت به المانيا عقب هزيمتها في الحرب العالمية الثانية لينقلها إلى ما هي عليه الآن. وهو أيضاً ما قامت به دولة الإمارات؛ حيث تعد وثيقة هوية المواطن الإماراتي التي يتم توزيعها حتى على طلبة المدارس هي المرجع لكل مؤسسات الدولة عند صياغة أهدافها ووضع برامجها وحتى عند محاسبة القائمين عليها.


ختاماً، فإن بناء الإنسان المصري هو توجه طال انتظاره، وهو حتماً يستحق أن يجتمع عليه ويسهم في تحقيقه كل الفرقاء.


Search By Tags
Who Am I?

Dr. Amr Kais is a participating faculty at the AUC, a designated lecturer of various institutions, a Certified Management Consultant & Coach, also the founder and MD of Ipsos Egypt which is now the largest research company in Egypt and Middle East.

Other Posts
More on the web
Follow Me
  • Facebook Basic Black
  • Twitter Basic Black
  • Black YouTube Icon
bottom of page