top of page

لمن يقرأ ويعتبر


كنت قد أشرت منذ أسبوعين في مقال سابق إلى ضرورة التصدي للظواهر الاقتصادية التي نشهدها مؤخراً مثل الهبوط الملموس للبورصة وارتفاع سعر صرف الدولار وغيرهما بالتحليل العميق من ِقبل الخبراء الاقتصاديين والمراكز البحثية للوقوف على الأسباب الحقيقية لهذه الظواهر بعيداً عن المبررات النمطية سابقة التجهيز التي يسوقها الكثيرون لطمأنه الناس أو استسهالا منهم. وكذلك، لدراسة مدى ارتباط هذه الظواهر ببعضها البعض من عدمه، وتطبيق الاجراءات التصحيحية في الوقت المناسب تجنبا لخسائر اقتصادية محتملة.


وفى ذات السياق، نشر الاقتصادي العالمي المرموق محمد العريان منذ أيام مقالاً هاماً في "بلومبرج بيزنس ويك" "Bloomberg Business Week" بعنوان " كيف نصلح نظاماً هشاً قبل فوات الأوان". حيث استعرض فيه الظواهر الاقتصادية التي يشهدها العالم مؤخراً مثل انهيار العملة المحلية للأرجنتين وتركيا وشبه الانهيار الاقتصادي في إيطاليا ومخاوف تباطؤ النمو في الصين. وحذر من التعامل مع كل ظاهره على حده بمعزل عن الظواهر الأخرى والاكتفاء بالبحث عن الأسباب في كل دولة على حده. فمن وجهة نظره، قد يتسبب ذلك في تجاهل أسباب أعمق يمكن أن تربط هذه الاحداث ببعضها البعض وتكون عواقب هذا التجاهل شديدة الخطورة. وأشار إلى أن التحسن الذي شهده الاقتصاد العالمي عام 2017 يعد استثناء من العشر سنوات اللاحقة للأزمة العالمية الكبرى وليس مؤشراً لإتمام إصلاح النظام الاقتصادي العالمي وتعافيه. وقد دلل على ذلك بعدة أمور، أولها استمرار انعدام الثقة من المواطنين للمؤسسات بدليل انتخابهم لكل التيارات المناهضة للمؤسسات القائمة مثل انتخابات دونالد ترامب في أمريكا وماكرون في فرنسا وتيار الخمسة نجوم في إيطاليا وغيرها. وثانيها حقيقة أن الناتج القومي الإجمالي الحالي للكثير من الدول مازال يقل عما كان عليه قبل الأزمة الاقتصادية منذ عشر سنوات مثل إيطاليا واليونان وغيرهما وكذلك البرازيل وروسيا والهند وما يعانوه من تراجع حاد في معدل النمو. أما ثالثها، فهو معضلة البطالة ومستوى الأجور والتضخم وعلاقتهم المعقدة ببعضهم البعض التي تتسبب في الفشل في تحقيق العدالة في توزيع الدخل والفرص حتى الآن. ضف على ذلك التأثير المتوقع للتطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي في زيادة تعقيد هذه المشكلة.


وينصح العريان القائمين على وضع السياسات الاقتصادية لبلادهم وخاصةً الدول النامية بالدراسة الجيدة لأثر رفع سعر الفائدة على الدولار وسعر الصرف الخاص به وكذلك الحرب التجارية التي بدأتها أمريكا لأن تأثيرهما سوف يكون كبيراً عليها وليس فقط على الدول الكبرى أطراف هذه الحرب. ومن ثم، يتحتم عليهم دراسة هذا التأثير المتوقع ووضع السياسات المناسبة لحمايتها من الأضرار المتوقعة دون تأخير. حيث يرى أن مشكلة واضعي السياسات الاقتصادية في كثير من الأحيان لا تكمن في عدم معرفة ما هو المطلوب عمله تقنياً، ولكن في إضاعة الوقت في الكثير من الموائمات السياسية، بما يتسبب في تأخر تطبيق الإجراءات المطلوبة. فتكون النتيجة، تدهور الوضع من تباطؤ اقتصادي يمكن تداركه إلى عدم استقرار اقتصادي حاد يصعب إصلاحه.


هو بحق مقال معتبر يستحق القراءة لمن يقرأ ويعتبر.

Search By Tags
Who Am I?

Dr. Amr Kais is a participating faculty at the AUC, a designated lecturer of various institutions, a Certified Management Consultant & Coach, also the founder and MD of Ipsos Egypt which is now the largest research company in Egypt and Middle East.

Other Posts
More on the web
Follow Me
  • Facebook Basic Black
  • Twitter Basic Black
  • Black YouTube Icon
bottom of page