top of page

ثمن إنكار الواقع



استمرت المنافسة الإعلامية الشرسة طوال العشرين سنه الماضية بين شبكة التليفزيون الرسمي الإسباني "RTVE" وشبكتي التليفزيون الخاص " MEDIASET" و" ATRES MEDIA" وذلك للحصول على أكبر نسب مشاهدة ومن ثم أكبر حصة في سوق الإعلان. ثم جاء الخبر منذ أيام عن تحالف الشبكات الثلاث معاً لإنشاء منصة للبث التليفزيوني الرقمي باسم "lOVES T.V" لتكون مشتركه بين الثلاث شبكات لبث 18 قناة تنتمي لتلك الشبكات. كما اتفقوا على الاشتراك في انتاج محتوى أعلامي رقمي خصيصاً لهذه القنوات. ولم يقتصر الأمر على أسبانيا فقط، حيث قامت القنوات التليفزيونية المحلية المماثلة في إنجلترا والمانيا وفرنسا وإيطاليا بتنحية المنافسة فيما بينها جانباً واشتركت في تحالفات مماثلة لذات الغرض. وتعكس هذه التحالفات دراية ووعى القائمين على الأعلام في تلك الدول بالتغيرات المتسارعة في المشهد الإعلامي والخطر الداهم الذي أصبح يتهددهم وبات على الأبواب، والذي يستحيل عليهم مواجهته فرادى دون اتحاد. خصوصاً وأن هذا الخطر لا يهدد بقائهم في صناعة الإعلام فحسب، بل يهدد هويتهم والكثير من النواحي الثقافية والاجتماعية في مجتمعاتهم.


فقد تفوق الإعلان الرقمي على التقليدي لأول مرة عام 2017 ليبلغ 209 مليار دولار مقابل 178 مليار دولار للإعلان التليفزيوني التقليدي. كما يتوقع أن تبلغ نسبة نمو الإعلان الرقمي للعام 2018 13% ليصبح 237 مليار دولار، بينما تبلغ نسبة النمو المتوقعة للإعلان التقليدي 2.5 % ليصبح 183 مليار دولار.


وبعد أن تخطت القيمة التسويقية لشركة" NETFLEX" للبث الرقمي ال 74 مليار دولار لتتفوق بذلك على كبرى الشركات العاملة في الإعلام التليفزيوني مثل "FOX" التي يمتلكها أسطورة الأعلام " روبرت موردوخ" وحصولها على إيرادات زادت على ال 11 مليار دولار عام 2017 من 104 مليون مشترك في 190 دولة. أعلنت " NETFLEX" عن مضاعفة ميزانية انتاج برامج أوروبية لبثها على منصتها الرقمية الى مليار دولار وذلك لكي تتمكن من اكتساح السوق الأوروبية واستقطاب المشاهد الأوروبي ليتحول من مشاهدة محتوى التليفزيون المحلى الى مشاهدة منصاتها الإلكترونية. وهو ما دفع تلك الشبكات للتحالف والاتحاد لمواجهة هذا الإعصار الجارف. خاصةً وأن هناك منصات أخرى للبث الرقمي قد حذت حذو "NETFLEX" مثل"HBO" و "CBS" و "AMAZON.COM" و "HOME BOX OFFICE" في استهداف سوق الإعلام الأوروبي.


وبالطبع، فإن شبكات التليفزيون الأوروبية في سبيل الحفاظ على بقائها وعلى مشاهديها لم تفكر على الإطلاق في الإنفاق على تدشين قنوات تليفزيونية جديدة أو الاستحواذ على قنوات أخرى أو حتى التنافس على استقطاب مذيع من هنا أو مسلسل من هناك بتكلفة غير مبررة أو منطقية، وذلك لإدراكها التام لحقيقة عزوف المشاهد ومن ثم المعلن عن الإعلام التقليدي وانصرافه إلى الإعلام الرقمي. ومن ثم، فإن السبيل الوحيد هو الاستثمار في الإعلام الرقمي وعدم إهدار أموال جديدة في الإعلام التقليدي الآخذ في الزوال. وكما استهدفت "NETFLEX" ومثيلاتها الدول الأوروبية اليوم بإنتاج محتوى أوروبي بمليار دولار، فإنه من البديهي أن تستهدف مصر غداً، فنجد مثلاً مسلسل عادل إمام في رمضان القادم يعرض حصرياً عليها ضمن محتوى شديد الجاذبية للمشاهد المصري ولا عزاء لقنواتنا التقليدية التي لا تزال تتصارع على مذيع من هنا ومسلسل من هناك بينما يتجه المشاهد إلى المشاهدة الرقمية. فهل تستفيق مثلما فعلت شبكات التليفزيون الأوروبية أم ندفع اشتراك"NETFLEX" مقدماً ثمناً للإصرار على إنكار الواقع؟


Search By Tags
Who Am I?

Dr. Amr Kais is a participating faculty at the AUC, a designated lecturer of various institutions, a Certified Management Consultant & Coach, also the founder and MD of Ipsos Egypt which is now the largest research company in Egypt and Middle East.

Other Posts
More on the web
Follow Me
  • Facebook Basic Black
  • Twitter Basic Black
  • Black YouTube Icon
bottom of page