المنحة الالهية

ربما هي حكمة الهية بالغة ان يحل علينا شهر رمضان الكريم متزامنا مع هذا الوباء الذي تساوى أمامه الغني والفقير و الدول المتقدمة و الفقيرة، بل و ربما عانت منه الدول الأكثر تقدما بدرجة أكبر. فبالرغم من التقدم العلمي غير المسبوق، يبقى الله أعلم، و رغم خطتنا يبقى قدَر الله انفذ، و تبقى رغم كل شيء رحمة الله اوسع. و ربما هي منحة الهية ايضا لكي نعيد لهذا الشهر الفضيل رونقه بإحياء القيم التي يدعو اليها من زهد و عمل جاد للدنيا والاخرة. و تراحم و إحساس بغير القادرين والمحتاجين.

بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك وتلك الأيام الفضيلة ادعوا الله أن يتقبل دعائي بأن يجعل غداً أفضل من اليوم بفضله وفضل عملنا الجاد وليس بالتواكل عليه، وأن يوقظ ضمائرنا كي لا نلتزم فقط بالمظهر والشكل الاجتماعي للتدين على حساب سلوكياتنا وتصرفاتنا. و ان يجعلنا نعترف بأخطائنا ونعمل على تصحيحها بدلاً من التفاخر بها كأنها أمجاد وليست أخطاء، وان يجعلنا ننصت لكلمة الحق حتى لو لم تكن على هوانا. ولا يجعلنا نرى الناصح الأمين عدواً لدوداً والمنافق الأفاق حبيباً، ولا يجعلنا نسئ إلى وطننا أكثر مما يسئ إليه أعداؤه. و يجعلنا نستوعب ونستشعر المغذى الحقيقي من الصيام ليتوقف النهم والإسراف في شراء السلع الغذائية ويحل التقشف خلال الشهر محل السفه الاستهلاكي. ويحل كذلك العمل ضيفاً عزيزاً علينا في هذا الشهر بدلاً من التكاسل والتعلل بالصيام. وأن نؤدي ما علينا من واجبات قبل أن نطالب بما نظن خطأ أنه من حقنا دون محاسبه.

ادعوا الله ان يمحوا نظرة اليأس من عيون شبابنا و ان يحي الأمل لديهم ليتبوأوا مكانهم الصحيح في قيادة الأمة والعبور بها إلى المستقبل بينما يحتل شيوخنا مقعد الناصح الناضج الأمين. و ان يرزقنا في كل موقع بالقادرين على خلق الرؤى الكبيرة والعمل على تحقيقها بدلاً من محترفي تقزيم الهمم ونشر الإحباط. وألا يجعل نكبتنا في نخبتنا، و ان يجعل كل من يتصدر المشهد في كل المجالات أفضل من فينا ومن يصلح ان يكون قدوة مشرفة لأبنائنا. وان يقنا شر أنصاف المتعلمين والمدعين وان يمنحنا القدرة والفطنة على كشفهم ولفظهم واقتلاعهم من المجتمع ليكونوا ِعبرة لا قدوة.

ادعوا الله بأن تكون قوتنا الناعمة معمرة لا مدمرة، لتسهم في ترميم القيم والأخلاقيات الإيجابية التي باتت آيلة للسقوط وترويج السير الذاتية للعظماء بدلاً من سير البلطجية وتجار المخدرات. و ان يلين قلوبنا تجاه الفقراء والمحتاجين ويعيننا على مساعدتهم ورفع المعاناة عنهم لتشرق الابتسامة من جديد على وجوههم ووجوهنا على حد سواء.

أخيرا، أدعوه بأن يجعلنا نستوعب عمق هذه الرسالة الغير مسبوقة في قوتها و وضوحها، و قيمة تلك المنحة الثمينة، لتكون وقفة لإعادة النظر و تقييم الكثير من الأمور في حياتنا و اصلاحها.

اّمين وكل عام وأنتم طيبين.