الإعلان الذي يعرفك!

في عالم يتغير بوتيرة متسارعة، لم يعد الإعلان مجرد رسالة تبث عبر شاشة تقليدية أو رقمية، أو مطبوعة على ورق.    بل أصبح تجربة متكاملة، تتقاطع فيها بيانات عن المستهلك مع سلوكه، وتندمج فيها التكنولوجيا مع تفاعل المستهلك معها. هذا التحول تقوده شبكات وسائط التجارة (Commerce Media Networks)، التي باتت اليوم حجر الزاوية في إستراتيجيات التسويق الحديثة. و هي منظومات إعلانية متكاملة تربط بين المحتوى التجاري والتجربة الشرائية للمستهلك. نشأت هذه الوسائط من الإعلانات التابعة، وتطورت لتشمل شبكات إعلانية للبيع بالتجزئة مثل “Amazon Ads”، ومنصات إعلانية تابعة لشركات خدمية مثل شركات الطيران والخدمات المالية.  تعتمد هذه الوسائط على ما يطلق عليه بيانات الطرف الأول (المستهلك)، مثل سلوكيات الشراء وبرامج الولاء وغيرها من سبل الحصول على بيانات المستهلكين، لتقديم إعلانات مخصصة تعزز من فعالية الحملات التسويقية. فهي تعتمد على ما يُعرف بـ "بيانات الطرف الأول"، أي المعلومات التي تجمعها الشركة مباشرة من عملائها. هذا يسمح لها بعرض إعلانات مخصصة لكل مستهلك على حده في اللحظة المناسبة لتناسب إحتياجاته، مثل عرض منتج مكمل لمنتج تم شراؤه في عملية شراء سابقة. فهي منصات تتيح للمؤسسة أن تعرض إعلانات مستهدفة داخل بيئتها الرقمية أو المادية، مثل تطبيقاتها أو مواقعها أو شاشاتها، بإستخدام بيانات العملاء لتحسين فعالية الإعلان.   بينما تركز الإعلانات التقليدية على الوصول الجماهيري فقط، مثل الإعلان التلفزيوني الذي يُعرض للجميع بغض النظر عن إهتماماتهم أو سلوكهم الشرائي، ولا يعطي المستهلك الفرصة للتفاعل الفوري معه.

و لا تعد وسائط التجارة وليدة اللحظة، بل هي امتداد طبيعي لتطور الإعلانات التابعة. لكنها اليوم تجاوزت حدود البيع بالتجزئة، لتشمل شركات الطيران، الخدمات المالية، وحتى تطبيقات النقل. كل جهة تملك بيانات، باتت قادرة على تحويلها إلى فرص إعلانية، تستهدف المستهلك في لحظته الأكثر قابلية للتفاعل.  وتشير التوقعات إلى أن سوق وسائط التجارة في الولايات المتحدة سيصل إلى أكثر من 100 مليار دولار بحلول عام 2027، بمعدل نمو سنوي مركب يتجاوز 21٪، متفوقًا على الإعلانات عبر التلفزيون وعبر محركات البحث. و هو النمو الذي يعكس التحول الكبير في توجهات المعلنين الذين باتوا يفضلون الإستثمار في وسائط تحقق نتائج ملموسة وقابلة للقياس. لذا، لم تعد وسائط التجارة حكرًا على شركات البيع بالتجزئة فقط. بل أصبحت تشمل أيضًا شركات الطيران، البنوك، تطبيقات النقل، وحتى شركات التكنولوجيا والخدمات.    فقد بدأت شركات مثل Uber وPayPal و United Airlines في إطلاق شبكاتها الإعلانية الخاصة، مستفيدة من قواعد بياناتها الضخمة وسلوكيات المستخدمين. وقد اتاح هذا التوسع للعلامات التجارية فرصًا جديدة للوصول إلى جمهور متنوع والتفاعل معه عبر قنوات متعددة، سواء كانت رقمية أو مادية.  وهو ما يحول الإعلان من رسالة إلى خدمة.  ففي حالة شركة الطيران مثلا، وبينما تقوم بحجز تذكرة، أو بينما تكون على متن الطائرة وبناء على البيانات التفصيلية المتوفرة لدى الشركة عنك، فإنها تعرض عليك ما يناسبك من إعلانات تفاعلية تمكنك من الحصول على كل ما قد تحتاجه في رحلتك من فنادق، ومطاعم، ومزارات سياحية، ومشتريات، وحتى خدمات خاصة بـتسهيل الاعمال، وفقا لما لديها من بيانات تفصيلية عنك. وعليه، يتم عرض إعلانات تفاعلية مختلفة لكل  راكب على نفس الرحلة وفق "البروفايل" الخاص به. وبذلك، يتحول الإعلان إلى جزء من الرحلة لا دخيلا عليها.

ختاما، فإن وسائط التجارة ليست مجرد تطور في أدوات الإعلان، بل هي إنعكاس لتحول أعمق في فهمنا للمستهلك، وللدور الذي تلعبه البيانات والذكاء الاصطناعي في زيادة كفاءة وفاعلية الإنفاق الإعلاني عن طريق تحويل الرسالة الاعلانية إلى تجربة.  تجربة إعلان يعرفك أكثر مما تعرف نفسك!