top of page

الإلهام والمعاناة

  • Writer: Amr Kais
    Amr Kais
  • Aug 31, 2024
  • 2 min read


يصعب جداً أن يأتي ذكر دولة جنوب أفريقيا لأي سبب كان دون أن يقفز الى الذهن "نلسون مانديلا" أو "ماديبا" وهي تعني أب الشعب، وهو الاسم الذي أطلقه عليه الشعب الجنوب أفريقي. وكيف لا؟ وهو من أهدى العالم وليس وطنه فقط أقوى وأهم القصص إلهاما في الكفاح الوطني والتسامح على مدار التاريخ الحديث. فقد قاد مانديلا منذ نعومة أظافره الكفاح ضد أقسى أنظمة التمييز والفصل العنصري في العالم، وهو ما كلفه قضاء 27 سنة من عمره وراء القضبان في سجون جنوب أفريقيا دون أن يقلل ذلك من عزيمته، أو يثنيه عن هدفه. وفي النهاية، خرج منتصراً مرفوع الرأس ليخوض أول انتخابات ديمقراطية في تاريخ جنوب أفريقيا، والتي فاز فيها باكتساح ليصبح رئيس الجمهورية من العام 1994 حتى العام 1999. ثم يضرب مثلاً مرة أخرى ولكن في التسامح هذه المرة؛ حيث دعي الى طوي صفحة الماضي وما فيها من جرائم ارتكبت في حقه وحق السود من الأقلية البيضاء ونسيانها، ليتمكن الوطن من كتابة فصل جديد من تاريخه أساسه التسامح وسيادة القانون. لكن ماذا حدث بعد تلك الزعامة الفذة والقصة الملهمة؟ للأسف لم تقو "ويني مانديلا" - التي كانت زوجة "ماديبا" لأكثر من 38 عاماً وساندته في كفاحه وفي كل سنوات سجنه الطويلة على مقاومة اغراءات السلطة ونفوذها وتورطت في الكثير من قضايا الفساد، وانفصلت عن "ماديبا" وصدرت ضدها عدة أحكام بالسجن.  وفي مشهد مماثل، تم عزل جاكوب زوما - رفيق كفاح "ماديبا" الذي كان رئيس الجمهورية حتى عام 2018- بسبب تورطه هو الآخر في كثير من قضايا الفساد واستغلال النفوذ. الآن وبعد أكثر من عشرين عاماً من ترك "مانديلا" رئاسة الجمهورية، وبعد كل سنوات الكفاح والتضحيات التي قام بها أصبح وطنه غارقاً حتى أذنيه في الفساد. أما اقتصادياً، فقد بلغ النمو الاقتصادي أقل مستوياته، وبلغت نسبة البطالة أكثر من 33%؛ حيث يعاني أكثر من 17 مليون شاب من البطالة في ظل النظام الحالي بسبب الفشل في تطوير التعليم، بينما و للأسف الشديد لا يتذكر هؤلاء الشباب العاطلون لصغر سنهم أي معاناة أثناء النظام العنصري الأسبق.

 

وبالطبع، فجنوب أفريقيا لا تمثل استثناءً من حيث قصتها الملهمة مع نتائج واقعها المؤلمة. فكثير من دول العالم صدرت الإلهام في وقت ما ولم تصله بالواقع لتبقي في المسافة الشاسعة بين ما صدرته من إلهام وما تعيشه من معاناة. وفي المقابل، عندما نستعرض نتائج أحدث دراسة عن الدول التي توفر أفضل حياة لمواطنيها والتي تجريها جامعة "وارتون" المرموقة، نجد في المقدمة سويسرا، تليها كندا ثم السويد وفنلندا والدانمارك والنرويج.  فقد نجحت تلك الدول في توفير أفضل مستوى للمعيشة في العالم لمواطنيها من كافة الأوجه رغم أننا لم نسمع أنها صدرت يوماً ما زعامات أو قصص ملهمة. بل لا نكاد حتى نعلم اسماء حكام تلك الدول. فكيف حققت ذلك دون أي ضجيج؟ وهل يوجد تعارض بين الإلهام وتحقيق النتائج على أرض الواقع؟ وبعيدا عن الزعامات والكفاح الوطني وتأملنا الإلهام في مجالي الثقافة والفن، فلا يمكن مقارنة المساهمة الضئيلة لتلك الدول المرفهة بدول أخرى عانت من ويلات حروب ومآسي أخرى. فكم من أدباء وموسيقيين خرجوا من رحم الثورات والحروب التي خاضتها دول مثل روسيا وفرنسا والمانيا على سبيل المثال لا الحصر مقارنة بسويسرا والسويد ومثيلاتها من الدول التي كانت بمنأى عن هذه الويلات؟ وهو ما يبعث على التساؤل عما إذا كانت المعاناة شرطا لتحقق الإلهام، وعما إذا كان الإلهام يسهم في تحسين الواقع أم يعد ُمسكنا يساعدنا على تقبله على علاته والتعايش معه؟         

 

 
 
 

Comments


Search By Tags
Who Am I?

Dr. Amr Kais is a participating faculty at the AUC, a designated lecturer of various institutions, a Certified Management Consultant & Coach, also the founder and MD of Ipsos Egypt which is now the largest research company in Egypt and Middle East.

Other Posts
More on the web
Follow Me
  • Facebook Basic Black
  • Twitter Basic Black
  • Black YouTube Icon

© 2016 Amr Kais

bottom of page