الثقافة وتغييرها

تحدثنا في المقال السابق عن أهمية نشر قيم وثقافة العمل الإيجابية أكثر مما هو سائد حاليا لدينا مقارنة بأمريكا أو أوروبا أو اليابان على سبيل المثال وليس الحصر. وأشرنا في ذات المقال عن فحوى الرسالة التي يمكن أن ُتفهم من الكرم الزائد في منح العطلات الرسمية في دولة هي أحوج ما تكون على الحث على العمل. وبمناسبة فترة التوقف التي صاحبت عيد الأضحى والتي بلغت تسعة أيام، وجه رؤساء جمعيات مستثمري المناطق الحرة ببورسعيد ومدينة نصر والإسكندرية ودمياط مذكرة للسيد رئيس الوزراء لشرح الأثر السلبي لمثل هذه الفترات الطويلة من التوقف على أعمالهم تصنيعًا وتصديرًا. علمًا بأن قانون العمل ينص على أن عطلة عيد الاضحى تنحصر في يوم وقفة عرفات وأول وثاني أيام العيد. ووفق ما جاء في المذكرة فإن ارتباط المصدرين بعقود ومواعيد توريد وشروط جزائية لا يمنحهم رفاهية إيقاف الانتاج طوال تلك الفترة، بما يعني أنها ستضطر إلى دفع ضعف الأجور للعاملين مقابل عملهم طوال فترة العطلة الطويلة. كما أنها ستضطر لسداد غرامات تصل إلى 1500 دولار للخطوط الملاحية على كل حاوية من آلاف حاويات خامات الإنتاج الموجودة بالموانئ المصرية انتظارا للافراج عنها بعد انتهاء العطلة. وهي أمور ستتسبب في تقليل إنتاجية الصادرات المصرية وزيادة تكلفتها، ومن ثم تقليل قدرتها التنافسية.  ولم ينتظر رؤساء تلك الجمعيات طويلا حتى جاءهم الرد، وكان ردا شديد اللهجة، ولكن ليس من السيد رئيس الوزراء، بل من الاتحاد المصري لجمعيات ومؤسسات المستثمرين، والذي جاء فيه "إن تلك الاتحادات لا تنتمي إليه ولا تتمتع بعضويته. وأنها قد نصبت نفسها منظرًا للصناعة والاستثمار في مصر وكأنها وحدها التي تملك الحكمة وفصل الخطاب، فأخذت تلقي دروسا فيما هو كائن وما يجب أن يكون. وأكد الرد بأن الإتحاد (الاتحاد المصري لجمعيات ومؤسسات المستثمرين) هو الجهة الرسمية التي تمتلك القدرة على التحدث في مثل الملفات المهمة بالعلم والمعرفة والدراسات المتخصصة. وأنه كان لا يتمنى فتح ملفات جدلية ظاهرها روح الوطنية وباطنها المكاسب الضيقة".  وعلى الرغم من أن الإتحاد المصري لجمعيات و مؤسسات المستثمرين هو الجهة الرسمية التي تمتلك القدرة على التحدث في مثل هذه الملفات المهمة بالعلم والمعرفة و الدراسات المتخصصة  كما أورد في رده، إلا أنه للأسف لم يتعرض في ذلك الرد للنقاط المحددة التي وردت في مذكرة جمعيات مستثمري المناطق الحرة من قريب أو من بعيد، بدلا من أن يشيرإلى نتائج دراساته المتخصصة التي تثبت عدم صحة تلك الآثار السلبية الوارد ذكرها أو تثبت المبالغة في تقدير تلك الآثار السلبية، أو حتى أساليب تلافيها أو التقليل من آثارها إن ثبت وجودها.  أما في حالة عدم وجود دراسات لديه لتقييم الخسائر الناجمة عن مثل هذه العطلات الطويلة، فكان حري به أن يوجه الشكر لكل من يلفت النظر لأهمية دراسة الآثار السلبية لهذا الموضوع وأن يعلن أنه بصدد القيام بتلك الدراسة مع أحد المراكز المتخصصة مثل "المركز المصري للدراسات الاقتصادية" أو غيره ليكون الرد مبني على أساس علمي وموضوعي. 

ختاما، لعل ما سبق يعد مثال واقعي للمناخ والثقافة والقيم السائدة في مجتمع الأعمال المصري التي نتمنى أن تتضافر الجهود على تغييرها بدلا من ترسيخها.