بين الحذر و التفاؤل

أعلنت شركة إعمار الإماراتية، أكبر شركة تطوير عقاري في دبي و ربما في الشرق الأوسط منذ أيام، إيقاف العمل مؤقتا في مشاريع جديدة وسط وفرة المعروض والتأثيرات الاقتصادية السلبية لجائحة كورونا على شركات العقار في الامارات. و هو ما أدى إلى تراجع أسعار العقارات فيها بنحو ثلث قيمتها على مدى السنوات الست الأخيرة. كما أدى إلى إفلاس شركة "أرابتك" و هي أكبر شركة مقاولات في الإمارات. وفي مصر شهد سوق العقار مؤخرا، الذي يشكل الإسكان الفاخر و الفوق المتوسط نسبه كبيرة منه، و لأول مرة عروض للتقسيط لمدد تصل إلى 10 سنوات بدون فوائد (أو هكذا يدعون). و هو ما يعتبر تخفيض في السعر بشكل غير مباشر، و قد يوحي بوجود نوع من التباطؤ في سوق العقارات، أو قد يعطي على الأقل اشارة تحذيرية. و على النقيض، وفي خطوة جريئة و مشجعة و توحي بالثقة كما عودتنا دائما، قامت شركة طلعت مصطفى منذ أيام بالتعاقد مع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة على شراء عيني و نقدي ل5000 فدان لإنشاء مشروع يضم اكثر من 140 ألف وحدة سكنية بين شقق و فيلات، يستوعب 600 ألف نسمة باستثمارات تصل إلى 500 مليار جنيه ويوفر 3,3 مليون فرصة عمل، و هو بلا شك الامر الذي نسعد له جميعا. و لكن تبقى الحيرة بين النقيضين (الحذر و التفاؤل) بسبب غياب المعلومات والدراسات و عدم تداولها إن وجدت. و هي الحيرة التي يقع فيها متخذ القرار و الرقيب على حد سواء. و لا تقتصر فقط على سوق العقارات، بل تشمل كل القطاعات طالما ليس لدينا قانون لصناعة و تداول المعلومات.

والمقصود هنا بصناعة المعلومات هو الصناعة التي تعني باستخلاص المعلومات من مصادرها الرئيسية و الأولية "primary data" عن طريق الاستقصاءات و الأبحاث الميدانية و تحليلها. إذ يبلغ حجم صناعة المعلومات في العالم ما يزيد عن 74 مليار دولار. ويتناسب حجم هذه الصناعة في كل دولة و درجة الاهتمام بها و تنظيمها تناسباً طردياً مع مستوي تطور تلك الدولة . فعلي سبيل المثال، يبلغ حجمها في امريكا حوالي 20 مليار دولار، و في ألمانيا 4 مليار دولار، أما في مصر فلا يتعدى ال 40 مليون دولار فقط. ولعل الأهم من حجم الصناعة هو مدى الاعتماد عليها من قبل متخذي القرار في مجالات: الاقتصاد، السياسة، الثقافة، الاجتماع، الصناعة، الإعلام و الإعلان بدلاً من الاعتماد على الحدس . و لعل الحجم المذكور لهذه الصناعة في مصر خير معبر عما تعانيه تلك الصناعة من عدم اهتمام وعشوائية وحاجة ماسة للتنظيم والرقابة والتشريع لضمان كفاية ودقة وجودة هذه المعلومات، وهو الشق الأهم.

ثم نأتي إلى جانب تداول المعلومة حال توافرها لدى الجهات الرسمية، و الذي من شأنه إذا ما تم تفعيله بموجب القانون نشر ثقافة الافصاح في المجتمع و فتح الباب للمشاركة المجتمعية في اتخاذ القرار وخلق حالة من الحوار البناء و زخم في الأفكار يعود بالنفع على متخذ القرار في المقام الأول.

بناء على ما سبق، أتمنى أن ُيدرج قانون "صناعة و تداول المعلومات" ضمن الأجندة التشريعية الحالية لمجلس النواب. لاسيما أنه سيكون أول المستفيدين منه لتعزيز دوره الرقابي من خلال توافر معلومات دقيقة. ثم يبقى التحدي الأكبر، وهو إدراك متخذ القرار في مصر لأهمية الاعتماد على المعلومات والبيانات في اتخاذ قراراته.