د. عمرو مرتجي

ربما لا يعرفه الكثيرون، فهو لم يتسم يوما بـالابتذال و الركاكة و السطحية التي أصبحت أهم مقومات تصدر الصفوف الأولى وتسليط الأضواء في أي مجال في مصر حاليا. فعمرو مرتجي (مع حفظ الألقاب) الذي انتقل إلى رحاب ربه الأسبوع الماضي هو أحد الآباء المؤسسين (و هو اللقب الذي يطلق على مؤسسي الولايات المتحدة و الموقعين على إعلان الإستقلال) لكلية إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية، التي تتبوأ اليوم قمة ترتيب كليات الادارة في أفريقيا و الشرق الأوسط. لذا، فإن أروقة تلك الجامعة وطلابها وأساتذتها سيفتقدون كثيرا الأستاذ والزميل والصديق، وإن كانت بصماته في تاريخ تلك الجامعة لن تمحى أبدا.  بل، و بعيدا عن أروقة الجامعة الأمريكية، فلا شك أن جامعة النيل ستتذكر دوما أول نائب رئيس لها و أول عميد لكلية إدارة الاعمال  بها، .. الرجل الذي تولى تلك المناصب في أصعب وقت مرت به تلك الجامعة إبان محاولات انتزاع أرضها. كما أن جامعة دبي لن تنسى من وضع اللبنات الأولى لكلية ادارة الأعمال فيها.  

لقد شرفت بأن كنت أحد طلابه، ولاحقا زميلا وصديقا له، فتعلمت منه الكثير في كل تلك المراحل. فقد آمن د. عمرو مرتجى دوما أن التعليم ليس مجرد نقل للمعلومات، بل هو في الأساس تكوين وتطوير للعقول.  وعليه، يجب عدم الأخذ بالمسلمات والتشجيع على النقاش والتفكير النقدي والابداعي.  كما كان له دور حيوي في تطوير مناهج الإدارة وتحديثها لتواكب التطورات العالمية. وكان يؤمن بأن كل طالب يمتلك قدرات فريدة، لذا، لم يدخر جهدا في اكتشاف تلك القدرات و توجيهها بشكل صحيح. ولم يقتصر دعمه أبدا على الجانب الأكاديمي ، بل كان حريصا على تقديم الدعم النفسي و الاجتماعي لطلابه. مما جعله ليس فقط أستاذا، بل صديقا ومستشارا لنا جميعا. كما كان له دور كبير في دعم الزملاء الشباب؛ حيث كان يُشجعهم على تطوير أبحاثهم ومهاراتهم التدريسية، وكان يُقدم لهم النصائح والتوجيهات اللازمة للنجاح في مسيرتهم الأكاديمية. كما كان يمتلك قدرة فائقة على التواصل والتفاعل مع الجميع، مما خلق بيئة إيجابية ومحفزة للعمل والتعلم. و قد تعلمت منه أن التعلم رحله لا نهاية لها، فكان أكثرنا اضطلاعا  على كل ما هو جديد تكنولوجيا و تعليميا. وكان دائما يعرض على المساعدة قبل ان أطلبها، ويسعد كل السعادة لأي نجاح أحرزه كأنه نجاح شخصي له. وفي المقابل، لم يستنكف ابدا أن يطلب المشورة والعون مني وأنا أحد طلابه. وعادة ما يكون هذا الطلب مغلفا بخفة الظل وحس الدعابة اللتان اشتهر بهما، ليدور السجال المرح بيننا حول أهمية التسويق كتخصص في الادارة مقارنة ببحوث العمليات. 

بفقدان الدكتور عمرو مرتجى، نكون قد فقدنا ليس فقط أستاذًا مميزًا، بل إنسانًا عظيمًا ظل يُلهم الجميع بروحه الإيجابية وحبه العميق للعلم والتعليم.  ستبقى ذكراه خالدة في قلوب طلابه وزملائه، وسيستمر تأثيره الإيجابي في تشكيل أجيال جديدة من القادة والمبدعين.

رحم الله من أثروا وكانوا نعم القدوة والاقتداء.