سقف التوقعات

لم يكن النجاح الكبير الذي حققه موكب المومياوات الملكية إلا دليلاً ساطعا على الفارق الكبير الذي يمكن أن يحدثه الفكر التسويقي المستنير و التطبيق السليم لأحد اذرع هذا العلم و هو الترويج في خلق القيمة أو ما يعرف بال”value creation” ، و هو ما لا يطبق كثيرا في العديد من المجالات و الأحيان مع الأسف بما فيها الكثير من إعلانات شهر رمضان التي يتبارى فيها الكثيرون في اهدار الأموال لتسلية المشاهدين بدلاً من تحقيق أهداف تسويقية و عائد مجزي على هذا الانفاق. و بقدر نجاح هذا الحدث، بقدر ما قام به من رفع لسقف توقعات السائح المرتقب لمصر ممن شاهدوا هذا الحدث. فقد تضمن هذا الحدث الكثير من المشاهد المسجلة تظهر أهم معالم مصر السياحية في أبهى صورها، و هو الشيء المتوقع عمله ترويجيا لجذب السائحين إليها. و لكن على أرض الواقع ما هو مستوى جودة المنتج السياحي المصري؟ و كيف سيقيم السائح معايشته للتجربة على أرض الواقع مقارنة بسقف توقعاته الذي ارتفع بفعل هذا الحدث الرائع؟ هل سيعود إلى وطنه بانطباع ايجابي ربما يحثه على تكرار تلك التجربة أو على الأقل الحديث بشكل إيجابي عنها؟

لعلنا ندرك أهمية الإجابة على تلك الأسئلة إذا تذكرنا حقيقة أن الترويج الناجح لا يسهم في نجاح منتج معيب بقدر ما يسهم في سرعة فشله. فهو ببساطة يخلق طلب و إقبال شديد و سريع على المنتج بما يسرع من اكتشاف عيوبه من قبل المستهلك و فشله في حيز زمني قصير. و المقصود بجودة المنتج السياحي المصري هو جودة كافة عناصر و مكونات رحلة السائح لمصر بدءً من اجراءات الحجز و رحلة الطائرة و استقبال المطار و مستوى خدماته و سيارات الاجرة و الفندق و المزارات السياحية و غيرها. و هي العناصر التي نعلم جميعا مدى احتياجنا لرفع جودتها لمستوى جودة منافسينا على المستوى العالمي أو الإقليمي على الاقل. فإذا بدأنا بمطاراتنا ومظهرها ونظافتها وأسلوب إدارتها فنجد مثلاً طول فترة الانتظار لإجراءات الجوازات و انتظار الحقائب وكذلك التسابق على إيجاد عربات حمل الحقائب إن وجدت. أما عن مطاردات سائقي الأجرة والليموزين فحدث ولا حرج. و كذلك المزارات السياحية، التي لا يخفي على أحد سوء بعض الطرق المؤدية اليها و سوء أحوالها والمشاكل العديدة التي تواجه من يزورها بسبب عدم نظافتها وسوء إدارتها وابتزاز ومضايقات أصحاب الدواب والباعة الجائلين والمتسولين و حتى عدم وجود دورات مياه صالحة للاستخدام الآدمي فيها.

و أود التأكيد على أن ما سبق ذكره لا يهدف الى رسم صورة قاتمة لمستقبل السياحة في مصر، بل على العكس يهدف إلى التأكيد على المستقبل الواعد الذي ينتظر هذه الصناعة الهامة في مصر إذا ما تم العمل على رفع مستوى جودة المنتج السياحي قبل الترويج له، و إذا صاحب رفع مستوى التوقعات رفع مماثل لمستوى جودة المنتج. و لعل التوقف الحالي للنشاط السياحي بسبب الكورونا يشكل فرصة ذهبية لتنظيم البيت من الداخل والعمل الجاد بخطة مدروسة للارتقاء بالمنتج السياحي المصري بكافة مكوناته السابقة وغيرها ليصل لمستوى توقعات السائح ويرضيه.