قانون تنمية المهارات

لا شك أننا قد لمسنا بالفعل تغيراً جذريا في سوق العمل نتيجة لتسارع التطور التكنولوجي الذي أدى إلى استحداث مهارات جديدة مطلوبة للعمل، وانحسار الطلب على مهارات أخرى تم احلالها بالتكنولوجيا. ناهيك عن تطبيق اساليب جديده في العمل و التدريب والتعلم. كما تسبب انتشار وباء كورونا إلى زيادة وتيرة هذا التسارع. و هو ما حول "سوق العمل" إلى "سوق للمهارات". و من ثم أصبح لزاما علينا اعادة النظر في القوانين المنظمة لهذا السوق لمواكبة هذا التغير. لكن ليس بالنظرة الضيقة التقليدية التي تهدف فقط إلى حسم النزاع بين صاحب العمل و العامل وما يتبعه من تعريف للسخرة و تجريمها إلى افاق أوسع تهدف إلى تنمية المهارات ومعالجة أسباب السخرة من جذورها و هي تقادم مهارات العامل التي تؤدي إلى قلة الطلب عليه بما يجعله يقبل ظروف عمل مجحفة لعدم توافر فرص بديله أفضل.

بناء على ما سبق، كان خبر مناقشة مجلس الشيوخ لبعض التعديلات المقترحة على قانون العمل في الاسبوع الماضي خبراً سعيداً بوجه عام. و هي التعديلات التي لا أدعي الإلمام بها إلا بالقدر الذي تم تناوله اعلاميا. فقد تم اعادة تعريف السخرة واستمارة 6 و تشكيل "المجلس الأعلى لتنمية الموارد و المهارات البشرية" من 11 وزيراً و 4 ممثلين لأصحاب الأعمال و اربع ممثلين للنقابات العمالية. و إن كنت أتمنى أن تشمل التعديلات موادا تستوعب تبعات العمل عن بعد الذي جاء ليبقى. و كذلك مواد تشمل حوافز ضريبيه أو أي حوافز أخرى تحفز الشركات على تخصيص جزء من ايراداتها لتدريب و تنمية العاملين و اكسابهم مهارات جديدة اجبارياً و ليس اختياريا. فلدينا الكثير من الشركات العاملة بالعديد من القطاعات الحيوية التي لا يحصل فيها العامل على برنامج تدريبي واحد على مدار عمله بها الذي قد يصل إلى أربعين عاما!

كما كنت أتمنى أن يسبق تشكيل المجلس المذكور النظر في تلك التعديلات لكي تتاح له الفرصة بأن يدلي بدلوه في التعديلات المطلوبة. على أن يتشكل المجلس في الأساس من خبراء في التنمية البشرية و تنمية المهارات التكنولوجية ليستطيع القيام بدوره الأساسي في مجال اكساب الشباب المهارات المطلوبة في سوق العمل و التعليم الفني و التدريب الوظيفي “on the job training”، ليس فقط على المستوى المحلي بل و على المستوى العالمي ايضا. خاصة في ظل أهمية الحفاظ على تنافسية عمالتنا المصدرة للخارج و التي تشكل تحويلاتها للداخل رافدا اقتصاديا هاما. وكذلك لتمكين المجلس من القيام بدوره في استلهام تجارب ناجحة في هذا المجال مثل التجربة السويسرية التي تعرف بـ Vocational Education and Training System”" و التي بفضلها صار متوسط دخل الفرد السويسري يزيد عن 80 ألف دولار سنويا، وهو رابع أعلى دخل في العالم. بل و رفعت صادراتها إلى 80% من إنتاجها، وقللت نسبة البطالة فيها إلى 4%. ورغم ذلك لا ينخرط في التعليم الجامعي بها أكثر من 30% من الشباب فقط.

تلك هي النتائج التي وصلت اليها سويسرا حين أحسنت تنمية موارد بشرية قوامها 8 مليون، فماذا يمكن أن تكون النتيجة إذا أحسننا تنمية موارد بشريه تزيد عن 100 مليون بقانون لتنمية المهارات بدلا من قانون لتعريف السخرة؟!