top of page

من يحاسبهم؟!



تقوم صناعة الإعلان التي بلغ حجمها عالميا قرابة ال650 مليار دولار عام 2023 على  مبدأ هام و هو أن قرار الإعلان  قرار استثماري في المقام الاول . لذا، فإن ما ُينفق عليه يعد استثماراً و ليس تكلفة. و من ثم،  فقياس العائد على الأموال المستثمرة في الإعلان و التأكد من تحقيق أعلى عائد على تلك الأموال هو المعيار الحقيقي لنجاح أي حملة إعلانية. و يتحقق هذا العائد عن طريق التأثير على انطباعات وسلوك المستهلك والمتلقي للرسالة الإعلانية بشكل يخدم المنتج ويحقق الهدف التسويقي من الإعلان. مما يدفع في حالة تحققه  إلى نمو الشركات و من ثم نمو الاقتصاد ككل.  أما في حالة إهدار تلك الأموال فإما أن تتحملها الشركات المعلنة في صورة خسائر لها، أو غالبا ما تقوم بتحميلها للمستهلك في صورة ارتفاع في سعر المنتج، الأمر الذي يؤدي إما إلى التضخم أو إلى الكساد في حال انخفاض الطلب بسبب ارتفاع الأسعار.

و في مصر، وعقب شهر رمضان الذي ودعناه  منذ أيام قليلة بات الكثيرون يرون أن الشهر الفضيل صار عاما بعد عام مهرجاناً سنوياً للإعلان التلفزيوني. وذلك لقناعة الكثير من المعلنين بـأن إعلاناتهم سوف تحظي بأعلى نسبة مشاهدة خلال هذا الشهر، و هو ما قد يكون صحيحاً. لكن على الجانب الآخر، يرتفع سعر الإعلان خلال هذا الشهر بشكل كبير،   علاوة على تشتت المشاهدة بين العديد من القنوات و الوسائط الرقمية، و كذلك الأثر السلبي لطول الفقرات الإعلانية على تركيز المشاهد و فهمه لمضمون الرسالة الإعلانية. الأمر الذي يتطلب أداء عالي المستوى من المسوق و المعلن لتحقيق عائد مجزي على هذا الإنفاق الاعلاني في ظل تلك التحديات السابق ذكرها.  و هو ما كنا نتمنى ان نلمسه بشكل أكبر. حيث انه بتحليل النشاط الإعلاني لبعض المعلنين خلال الشهر من حيث الرسالة الإعلانية المباشرة أو المحتوى الضمني الدرامي ، وهو أمر لا يصعب على أي متخصص عمله، نجد أن بعض هذه الإعلانات لا يعد إلا إهداراً لأموال هؤلاء المعلنين.  لأنه  لا يخدم الأهداف التسويقية لهذه المؤسسات بقدر ما ُيستخدم كوسيلة لاستعراض القدرة على توظيف المشاهير في الإعلانات كنوع من التباهي وكيد المنافسين. بل، و يصبح أقرب إلى المحتوى الترفيهي منه إلى المحتوى الإعلاني.  وهو ما يعد إهدارا كبيرا لأموال الكثير من المؤسسات الخاصة و المملوكة للدولة على حد سواء.  و للأسف، يتحمل المستهلك تكلفة هذا الفشل مادياً بشراء منتجات بأسعار مبالغ فيها لتحميلها بقيمة هذه الإعلانات غير المجدية، ومعنوياً لتعرضه في بعض الأحيان لإعلانات فجة وغير لائقة وتشجع على سلوكيات غير إيجابية.  فهل السبب في كل ذلك يكمن في أن تلك الممارسات يزاولها غير المؤهلين أو المتخصصين؟ أم أن السبب هو فشل جامعاتنا في تأهيل كوادر ترقى لهذه المسئولية؟ أم أن السبب هو الغياب التام للمؤسسات المهنية للتسويق على غرار الجمعية الأمريكية للتسويق American Marketing Association وغيرها، ودورها المحوري في تدريب الكوادر ومراقبة الممارسات التسويقية و َسن مواثيق الشرف التي تضبط أداء المسوقين؟ أو ربما كل ما سبق؟

 

لقد حظيت صناعة الإعلان لأهميتها على أكبر قدر من التنظيم و الرقابة القانونية والمهنية والأخلاقية في كل دول العالم. وعلى سبيل المثال، تخضع صناعة الاعلان في أمريكا وهي أكثر الدول انفتاحا منذ عام 1914 لرقابة و قانون تنظيم الاعلان الفيدرالي و جهاز التجارة الفيدرالي. كما تخضع الإعلانات التلفزيونية هناك لإشراف جهاز الاتصالات الفيدرالي منذ عام 1934. هذا من الجانب القانوني، أما من الجانب المهني والأخلاقي  فهي تخضع أيضا للضوابط الصارمة الخاصة بالمنظمة الأمريكية للإعلان. و هو ما يطرح سؤالا حول ماهية الجهات المنوط بها تحديد المعايير القانونية والمهنية والأخلاقية لصناعة الإعلان في مصر؟ و ماذا تنتظر لتقوم بهذا الدور؟  و سؤالا آخر حول من يحاسب هؤلاء المعلنين على تلك الأموال المهدرة؟!

Search By Tags
Who Am I?

Dr. Amr Kais is a participating faculty at the AUC, a designated lecturer of various institutions, a Certified Management Consultant & Coach, also the founder and MD of Ipsos Egypt which is now the largest research company in Egypt and Middle East.

Other Posts
More on the web
Follow Me
  • Facebook Basic Black
  • Twitter Basic Black
  • Black YouTube Icon
bottom of page