top of page

من يشكل هويتنا؟



يبدوا أنني لم أكن مبالغا حين كتبت متسائلا في مقال نشر منذ ثلاث سنوات "هل سيتمكن مواليد هذه الأيام من اللحاق ببعض المشاهدة للتليفزيون التقليدي أم سيكون بالنسبة لهم من قبيل الأحداث التاريخية التي ستحكى لهم كما كان يحكى لنا أجدادنا وأباءنا عن أحداث زمان مضى؟  وهل ستدخل القنوات التليفزيونية التي نعرفها حالياً متحف الآثار قريباً بعد أن تحل محلها منصات بث المحتوى الرقمي؟"  فقد اسفرت نتائج بحوث المشاهدة في أمريكا و التي قامت بها شركة "نيلسن" عن انخفاض نسبة المشاهدة لقنوات التلفزيون التقليدية لتصبح اقل من 20% من إجمالي المشاهدة، و كذلك انخفاض نسبة مشاهدة القنوات المشفرة لتشكل 29,6% من إجمالي المشاهدة، بينما في المقابل بلغت نسبة الزيادة السنوية في مشاهدة المنصات الرقمية 25,3% لتشكل حاليا 38,7% من اجمالي المشاهدة .  و تأتي “YouTube” في مقدمة المنصات الأكثر مشاهده تليها “Netflix”. أما عن الدول العربية،  فقد نشرت مؤسسة “Digital t.v.- Europe” تقريرا عن مشاهدة منصات البث الرقمي يشمل مصر والسعودية و الإمارات وقطر والبحرين والكويت و عمان.  ووفق التقرير، فقد بلغ عدد المشتركين في منصات البث الرقمي (غير المجانية)  15 مليون مشترك. و يتوقع ان يصل عدد المشتركين إلى 28 مليون بحلول عام 2029. و تتمتع منصتي “Netflix” و "شاهد VIP" بأكبر عدد مشتركين، تليهما “Starzplay”، ثم “Disney +” و “Amazon” و “OSN”.   وهو ما يثبت صحة ما أكدناه من قبل بأن الاعلام الرقمي عابر للحدود و بأن كلمة السر تكمن في المحتوى و التكنولوجيا بدليل حصول منصة أمريكية على أكبر عدد من المشتركين في أكبر الدول العربية، و حصول منصة سعودية على ثاني أكبر عدد مشتركين في مصر.  و ذلك استنادا إلى ما جاء في تقرير اجنبي عن نمط و حجم مشاهدة المحتوى الرقمي و عدد المشتركين في وسائط المحتوى الرقمي لدينا. و هو الأمر الآخر الجدير بالملاحظة و التأمل؛ حيث أننا أصبحنا نتعرف على أحوالنا و أنماط المشاهدة لدينا من تقارير و أبحاث خارجية بدلا من أن نعتمد على مصادرنا و دراساتنا، و كأننا أقل اهتماما منهم في التعرف على احوالنا و بحوث المشاهدة لدينا!!

و بالطبع لا يأتي الاهتمام بدراسة تلك التحولات السابق ذكرها لمجرد التعرف على وسائل الترفيه المفضلة لدى المصريين، و لكن لمعرفة ببساطة من يقوم بتشكيل هويتنا. فمن يملك المنصة الرقمية هو من يختار محتواها و توجهها الثقافي والإعلامي، و هو ما يشكل هويتنا. و بنظرة أكثر عمقا يمكن أن ندرك أيضا البعد الاجتماعي و الوجداني، بل و الأمني الهام لهذا الموضوع. فإذا كنا نعترف بفضل وأهمية قوانا الناعمة التي اكتسبناها بفضل انتشار إعلامنا التقليدي ومحتواه على مدار سنوات طوال اقليميا، فحري بنا التحرك سريعاً في مجال الإعلام الرقمي ووضع استراتيجية وطنية مصرية للإعلام والبث الرقمي،  لتتخطى هذه الاستراتيجية ما يحدث حاليًا من مجرد توفير مسلسلات رمضان للمشاهد بمقابل مادي ليشاهدها متى شاء و بدقائق اعلانيه أقل.  وبعبارة أدق، يتوجب أن تشمل هذه الاستراتيجية المستوى المحلي والإقليمي والدولي إذا ما أردنا الحفاظ على هويتنا الثقافية و استعادة قوتنا الناعمة.  كما يجب أن تشمل كافة مكونات البث الرقمي من تكنولوجيا ومحتوى وتمويل وعناصر مدربة. هذا، بالإضافة إلى تحديد الأهداف المراد تحقيقها في أطر زمنية واضحة مع توفير أبحاث و دراسات وطنية و ليست مستوردة لقياس و تقييم الأداء بشكل دوري.

فإما أن نكون فاعلين في استراتيجياتنا أو نكون مفعول به في استراتيجيات غيرنا.

 

.    

 

Search By Tags
Who Am I?

Dr. Amr Kais is a participating faculty at the AUC, a designated lecturer of various institutions, a Certified Management Consultant & Coach, also the founder and MD of Ipsos Egypt which is now the largest research company in Egypt and Middle East.

Other Posts
More on the web
Follow Me
  • Facebook Basic Black
  • Twitter Basic Black
  • Black YouTube Icon
bottom of page